متعبة
وتشعر بان جسمها منهك ولا يقوى على شيء .. تقدمت بخمول نحو الطاولة في
منتصف الصالة .. انحنت وسحبت عدد من المناديل الورقية .. وهي ترفع جذعها
اذا بها تراه .. تزايدت انفاسها .. ورجفت اطرافها .. وبرد جسدها وكأن الروح
قد فارقته .. جرت مسرعة رغم الخوف .. وتناثرت المناديل من يدها .. جرى
خلفها كالمفترس .. دخلت الغرفة واقفلت الباب .. واختبأت في الزاوية خلف
سريرها ..طرق الباب لتفتح .. وطال طرقه له : علايا .. ياللا عاااااد .. فتحيلي
كان يجر الكلمات ويمدها بدلع .. لتفتح له : ما اشتقتي لبوستي .. ولشفايفي ....
اغلقت
اذناها بسبابتيها .. ومرت حادثة اغتصاب شفتاها الصغيرتان .. خلف الفلا ..
استفرد بها .. حاصرها بجسده الذي يكبر جسدها الصغير والنحيل .. واقترب من
وجهها حتى سلب عذرية شفتاها .. وانساهم اهازيج الفرح .. واناشيد الطفولة ..
ارتجفت من ملمس شفتاه .. وشعرت بالاشمئزاز .. جرت والخوف يكتسيها حتى بات
لا يفارقها .. تحاول ان لا تستمع له .. وتتمنى ان يغادر .. لا احد في
البيت سواها .. الجميع في حفلة زواج .. تابع محاولا استدراجها لتفتح :
ما
تبيني اسوي وياج مثل نور ومهند .. والا احسن مثل العشق الممنوع .. انتي
تحبينهم صح .. ياللا علايا فتحيلي الباب .. وبنومج فحظني مثلهم .. ما تبين
هالشيء .. ياللا عاااد
انكمشت
اكثر على نفسها .. وسالت دموعها وبللت خدودها واكمامها .. وتبللت ثيابها
في مكان اخر .. هدأ المكان لم يعد هنالك طرقات على الباب .. ولا صوته الذي
يصيبها بقشعريرة مميتة .. ذهب بعد ان مل الاستجابة منها .. وهي ظلت في
مكانها .. تبكي بهدوء .. يحدها الخوف من جهة .. ومن جهة اخرى كونه قريبها
.. صغيرة ولكن عقلها كبير .. ومع هذا لا تجد للخلاص مما هي فيه سبيل.
,‘،
,‘،
دائما
تشدنا احلامنا لايامنا القادمة .. نراها في يقظتنا تتحقق وننتظرها ان تكون
واقعا نحياه ونلمسه ونحس به من حولنا .. اما هو فكانت احلامه لا تتعدى
يومه .. حتى رأها .. في ذلك اليوم الذي كان بداية لرسم لوحة جديدة مختلفة
لكليهما ..
كانت تتسوق مع اخيها .. تحلم بيوم عمرها ، تشتري ما ترغب بحدود امكانياتها .. فهي ليست بمكانة اولئك القادرين والمقتدرين من ابناء الوطن .. هي وعائلتها اشخاصا احبو الارض التي هم عليها .. ولكن لم يكونوا من اهلها .. ولم تكن بحوزتهم تلك الاوراق التي تؤهلهم ليكونوا اماراتين ..
اخاها : لا تشتريين اشياء غالية .. تراج تعرفين حال خطيبج .. ميسور الحال .. يعني ع قده
هي : لا تخاف .. والله اني محطيه هالشيء قدام عيوني ..
دخلا محل الاحذية .. اصناف والوان منها .. صغيرا .. وكبيرا .. مرتفعا وملامسا للأرض .. وقفت عند حذاء اكتسى باللون الفضي وبه كرستالة تضفي عليه رونقا مميزا .. وضعت على فيونكة من نفس لونه .. تلفتت يمنة ويسرى .. لا يوجد غير البائع بعيدا عنهم .. رفعت غشوتها ليبان انفها الممشوق بجمال رائع .. وعيناها اللتان كانتا بين الصغر والكبر في الحجم .. لم تكن بيضاء البشرة ولا سمراء .. كان كل شيء فيها معتدلا .. حتى جمالها لم يكن بذاك الجمال الطاغي .. الا ابتسامتها التي ما ان رسمتها وهي تمسك الحذاء بين كفيها .. حتى بانت غمازتان خفيفتان على جانبي الشفاه .. ابتسامة ساحرة يخضع لها اعتى الرجال وأشدهم .. رآها دون ان تراه .. وحتى اليوم لا تفارقه .. هز رأسه وكانه يسقط تلك الافكار ويسقط ابتسامتها من تفكيره : شو صارلي .. لازم ما اضعف لاي حرمة .. حتى لو كانت ملكة جمال الكون .
طُرق الباب
ودخل رجل ضعيف البنية، ممشوق القامة .. وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة غامضة
.. نقلت عدواها لوجه الاخر القابع خلف مكتبه .. نظر من خلف نظارته السوداء
لعيون جون الزرقاء : يبدو ان معك اخبار مفرحة؟
جون : ليست مفرحة بالقدر الذي تتمناه .. علمت ان والدك يسعى للاسيتلاء على عدد من الشركات الصغيرة بالدولة
ابتسم وقال بخبث : ليس غريبا على والدي هذا الامر . ماذا يوجد في جعبتك ايضا
جون : هناك مشروع كبير يخططون له .. لكن لم استطع ان اعرف اي شيء عنه حتى الآن .
قام وجلس قبالة جون وبجدية عالية : اسمع يا جون .. اريدك ان تعمل كل ما بوسعك لتعرف لي كل شيء عن هذا المشروع .. مستعد ان اقدم اي شيء لمعرفة مشروع والدي الضخم الذي يخطط له .
جون : سابذل ما بوسعي ..
,‘،
بعد ان صلت
الفجر ودعت ربها ان يهدي طارق وان لا يحدث اي شيء بينه وبين احمد في
المستقبل .. وبعد ان قرأت اربع صفحات من كتاب الله ومن سورة الاسراء
بالتحديد .. امسكت كتاب " لا تحزن " لعائض القرني .. وجلست على سريرها
متكأة والكتاب بيدها .. اخذت تقرأ بتروي .. وكأنها تريد استشعار كل كلمة
كتبت وكل حرف وجد :
"تذكُره
والتفاعل معه واستحضاره ،والحزن لمآسيه حمقٌ وجنون ، وقتلٌ للإرادة
وتبديد للحياة الحاضرة. إن ملف الماضي عند العقلاء يطوى ولا يروى، يغلق
عليه أبدًا في زنزانة النسيان، يقيد بحبال قوية في سجن الإهمال، فلا يخرج
أبدًا ،ويوصد عليه فلا يرى النور؛ لأنه مضى وانتهى، لا الحزن يعيده ، لا
الهم يصلحه ، ولا الغم يصححه ، لا الكدر يحييه ؛ لأنه عدم، لا تعش في
كابوس الماضي ، أتريد أن تَرُدً النهر إلى مَصبه ، والشمس إلى مطلعها،
والطفل إلى بطن أمه، واللبن إلى الثدي، والدمعة إلى العين. إن تفاعلك مع
الماضي ، وقلقك منه واحتراقك بناره ، وانطراحك على أعتابه ، وضع مأساوي
رهيب مخيف مفزع."
من فصل : ما مضى فات من كتاب لا تحزن .
تمعنت فيه .. وفي كل كلمة منه .. قامت بكسل من السرير والساعة تقارب الثامنة .. عمدت الى حاسوبها فتحته .. وهي في انتظار اكتمال اعدادات التشغيل .. سرحت شعرها باصابعها ورفعته بشكل عشوائي بمشبك من الشيفون .. توجهت مباشره لمحرك البحث قوقل .. ضربت على الازرار بخفة وسرعة وكتبت " تويتر "
لم تسجل خروج من الصفحة في الليلة الماضية .. ولم تنتبه لعدد المتابعين لها الذي تجاوز الثلاثين في اقل من اثنتا عشر ساعة .. عمدت الى صندوق الكتابة وكتبت : صباح جميل .. صباح جديد .. آمل أن يكون بعيدا عن الاحزان
ارسلت تغريدتها .. وعادت تكتب من جديد : ليت القلب ورقة بيضاء كتب عليها بقلم رصاص .. وكانت الدماء الخارجة منه والداخلة ممحاة .
ما ان ارسلتها حتى وجدت رسالة رد على رسالتها البارحة التي كتبت فيها : الحياة ميزان .. ترجح فيه كفة المخطئون .. لان اخطائهم لا يوجد من يتصدى لها..
كان الرد غريبا : الحياة جسر متهالك .. الشاطر من استطاع ان يقف عليه دون أن يقع.
اغتاضت .. فلقد اعتبرت ذاك الرد انتهاكا لحريتها .. لا تريد ردود .. او معارضات .. تريد فقط ان تبوح .. ارسلت له ردا : لكل انسان حياة لا يتمنى من الاخرين دخولها .
,‘،
استيقظت
بعد حرب طويلة مع الدموع والشهقات .. ولوم النفس .. الشمس تميل نحو الغرب
بهدوء تام .. واشعتها تخترق الغرفة الباردة من فراغات الستائر الراقية
..رأسها كقنبلة موقوتة تستعد للانفجار .. رفعت جذعها بتعب واستندت بظهرها
ممسكة رأسها بقوة .. تلفتت وكأنها تستنكر المكان الذي هي فيه .. وقع نظرها
على الورد الاحمر الذي لم يتحمل وصار يحتضر بأنين لا يسمع .. قامت بكسل
وبتعب يظهر واضحا في مشيتها .. حملت باقة الورد واحتظنتها ونزلت على
ركبتيها .. تبكي بحرقة وتتذكر ما حدث البارحة ..
كان
واقفا كالمصلوب لا توجد اي حركة .. إلا من يده وهي تنزل وتنزل معها باقة
الورد حتى صارت موازية لجانبه .. ازدردت ريقها وهي ترى وجهه ونظراته
المشحونة بحزن بادٍ في محجر عينيه .. تقدم بهدوء بعد ان اغض النظر عنها ..
قبل رأس ميرة ورمى الباقة على الطاولة ذات الاقدام والحواف المطلية
بالذهب : كنت ياي وفبالي عشا راقي ورومنسي .. بس للأسف عرفت اني ارخص من الكرت اللي بهالباقة ..
لم تنطق ولا والدتها نطقت .. لا كلام بعد الكلام .. التفت لرشا وهو يلوح برأسه بهدوء : خلج عند اهلج ..
غادر
المكان وهي صامته .. واذا بها فجأة تخر على الارض باكية .. بكت دون توقف
.. تترجاه ان يعود .. وانها لم تكن تقصد ما قالته .. لكن لا فائدة .. لم
يعد يسمعها .. ظلت تبكي طويلا .. حاولت امها تهدأتها دون جدوى .. وزاد
بكاءها عندما خلت بنفسها في غرفتها .. اخذت تتصل عليه ولكنه لا يجيب .. مل
من اتصالاتها فاغلق الهاتف ..لتنتحب ندما .. حتى غلبها النوم .. فنامت ..
حاظنة
الباقة وكأنها تحظنه هو .. كانت تطوح جذعها الى الامام والخلف ودموعها لا
تتوقف .. مسحت دموعها عشوائيا كما الاطفال .. واخذت الكرت وقرأت :
الورد لا شيء بالنسبة لكِ . فانتي الورد في عيني .
اخذت تصرخ وهي تضرب بباقة الورد على حافة الطاولة : انا مب ورد يا سيف . انا مب ورد ..
تناثرت
الوريقات كما تناثرت دموع عينيها .. صعب هو احساس الندم .. كان يحتلها
احتلالًا غاشما .. كما احتل جسد وتفكير احمد .. الذي حتى هذه الساعة يحتفظ
باسبابه ولا يبوح بها .. صل الظهر جماعة في احد المساجد .. كان هائما على
وجهه لا يعرف اين يذهب .. فمنزل عائلته لم يعد بالنسبة له سوى فندق للمبيت
والراحة .. مع ان الراحة المنشودة لا يجدها .. اليوم ينقضي كباقي الايام
بالنسبة له .. يتمنى ان لا يكون ما كان .. ولكنها امنيات لن تجد للواقع
سبيل .. اوقف سيارته وترجل .. حين رأى قرص الشمس يطفيء لهيبه بماء البحر
المالح .. وطأ رمال الشاطيء الناعمة بقدميه بعد ان جردهما من نعليه .. كان
يمشي بأتجاه قرص الشمس وكأنه ينشد انطفاء لهيب جوفه .. المياه المالحة
تضرب اسفل جسده وهو يكمل المسير دون شعور منه .. وفجأة توقف حين عانق
البحر صدره .. رفع رأسه الى حمرة الافق وقت المغيب .. اطال النظر بعيونه
المتعبة .. مسح وجهه بكفه الايسر وتحسس شعر لحيته الذي صار طويلا وغير
مرتبا .. واذا بيد تمسكه من ذراعه .. وصوت رجل في اواخر الثلاثينات قد بان
عليه التعب وتقطع انفاسه : ما تدري ان روحك مب لك .. ينيت
لا يعي شيء .. سلط نظراته المستغربة على وجه الرجل وهو يصرخ فيه بكلام متقطع : تظن انك بترتاح .. ترا وراك آخرة .. لا تظن انك بتقتل عمرك وبتحصل الراحة
اخيرا
استوعب الامر .. تلفت من حوله .. لا شيء سوى البحر .. وادرك انه كان يمشي
بلا شعور منه .. استغفر ربه . ونظر الى الرجل وعلى وجهه ابتسامة متعبة : يزاك الله خير ..
ثم
استدار والرجل لا يزال ممسكا به .. غالبا الموج حتى وطت اقدامهم رمال
البحر الباردة .. طرح نفسه ارضا واتكأ على ذراعيه وهو يلهث وينظر لاحمد : خوفتني عليك .. كل شوي اقول الحين بيرد .. الحين بيرد ..
جلس بجانبه ونظر للبحر وهو ممسك رصغ يده اليمنى بكفه اليسرى .. ومنحني بجذعه قليلا للامام : ما انتبهت .. فيني هموم ما تشيلها جبال ..
اطلق زفرة من صدره .. جعلت الرجل يجلس نفس جلسته وينظر للبحر : كل
انسان وعنده هموم .. وكل انسان يقول همي اكبر .. بس لا تنسى ان في اللي
اكبر من همومنا .. في رب اذا دعيناه ما ردنا .. حتى وان تاخر علينا .. بس
ما بينسانا .
اطلق جسده على الرمل .. وكتف ذراعيه تحت رأسه واخذ ينظر للسماء : بس همي كبير .. مب قادر اشله بروحي ..
رغما
عنه تدحرجت دمعة على جانب عينه اليمنى لتعبر الطريق بين خصلات شعره
المجعدة والقصيرة .. وقف الاخر ليترك للهواء المجال ان يجفف ثوبه .. ولا
يزال ينظر للبحر وامواجه التي تتلاطم منذرة بعاصفة : لا
تتاخر هني .. باين ان الهوا يزداد .. ييت اصور كم صورة للغروب ..
وانتبهتلك .. اسمعني اللي يصير معنا بدون قصد منا مقدر ومكتوب .. واكييد من
وراه حكمة من رب العباد .. يمكن يختبرك .. تصبر او لا ..
وهو على حاله : يعني ما بتسألني شو في .. وشو اللي خلاني امشي بدون شعور مني .
استدار : لا .. ما في اسمع هموم غيري .. واحاتي غيري .. قوم
مد يده اليسرى ليساعده على النهوض .. نهض احمد : ما بخليك الين تركب سيارتك وتروح ..
مثل ما تريد .. ومشكور
.. لم يزد في كلامه .. ترك المكان متوجها لسيارته .. تكسوه خيبة امل ..
كان يتمنى ان يسمعه احد .. وان يطلق العنان لما فيه بالخروج .. يتمنى ان
يجد احد يشاطره حتى ولو جزء صغير مما يعانيه .. حتى وان كان شخصا غريبا ..
لكن لم يجد ضالته .. فرد الرجل على سؤاله قتل الامل الذي تلبسه بعد ان
لمست يد الرجل ذراعه وانتشلته . كان يرقبه وهو يغادر المكان مخلفا ورائة
اثارا في تلك الرمال .. تمتم حين انطلق احمد بسيارته : الله يعينك ..
,‘،
,‘،
طرقات
خفيفة على باب الغرفة .. جعلتها تترك ما بيدها من واجبات .. فتحت الباب
اذا باختها خوله التي تكبرها باربع سنوات .. ابتسمت وهي تقول : بعدج ما
خلصتي واجباتج .
اجابة
بلا وهي عائدة الى حيث دفاترها افترشت ارضية غرفتها المتواضعة .. جلست
وانكبت تحاول ان تكمل حل المسائل التي بين يديها .. اقتربت منها خولة وظلت
واقفة مما شد ايمان بان ترفع رأسها : شو فيج .. صاير شيء ؟
جلست القرفصاء : عيسى .. مب عايبني ؟
تركت
القلم وباهتمام سالت اختها عن قصدها .. ارتاحت في جلستها : عيسى متغير من
امس .. مادري شو فيه .. احسه شايل شيء فصدره ولا يريد يخبرنا .
ايمان : روحي سأليه .. وانا بقوم وياج ياللا ..
اريدها
.. كانت ترن في رأسه مرارا وتكرارا .. اخذ يطوي المسافات في غرفته وهو
يفكر .. بعدها خرج فاذا باختيه .. نظر اليهن وبعدها ادبر مكملا طريقه ..
وقف حين نادته .. ليلتفت اليها صارخا : كله منج .. شو تبيني اسوي الحين .. وين اضرب براسي خبريني .. انتي من صوب وربيعي من صوب .. واللي ما يتسمى من صوب ..
وقفت مشدوهة وهي تشير الى نفسها : انا
نزل على الارض ويداه على رأسه : هيه انتي .. لو ما شليتي الغشوة ذاك اليوم ما شافج .. ولا صار اللي صار .. الله ياخذه ..
اقتربت منه وجلست امامه وايمان تنظر دون اي حركة .. وضعت يدها على كتفه : الله ياخذني يا اخوي .. ولا اشوفك بهالحال .. قولي منو اللي شافني ذاك اليوم .. خبرني ..
كانت دموعها تنزل على حال اخيها .. جلس بقوة مسندا ظهره على الجدار الذي خلفه .. واضعا يده على جبهته : ما اريد ابيعج يا خولة .. انتي امي واختي وصاحبتي .. مالي غيرج وغير ايمان فهالدنيا .. ابيع روحي يا خولة ولا ابيعج ..
تابع
وهو يسرد عليها ما حدث معه منذ يومين .. رصت على شفتها السفلى وبعدها
وضعت اطراف اصابعها على فمها .. كان كلامه كالسوط الذي يجلدها دون اي رحمة
او شفقة ..صرخت ايمان : نخلي المكان ونروح .
ضحك
بسخرية : وين نروح .. من لنا عشان نروحله .. احنا من فتحنا عيونا واحنا ع
هالارض .. حبيناها حتى صرنا نشوف اعمارنا مواطنين .. تقولين نروح ..
خبريني وين ..
اقتربت وجلست بجانب خولة التى لا تزال اثار الصدمة عليها : اي مكان بعيد عن هني .. مكان ما يلقانا فيه
خولة : ودراستج .. وامتحاناتج ..
ايمان : عيسى ما بيقصر بيوصلني للمدرسة وبيرجعني .. بس خلونا نخلي هالبيت .. دامه قالك بيينا يوم اليمعه اكييد يدل البيت.
نظر لخولة : شو رايج يا خولة ؟ ترا والله ما اريد اعقج عند واحد مثله ..
قامت : اللي تشوفونه بسويه ..
بعدها انصرفت .. ولا ترى امامها الا تحطم احلامها .. في كل خطوة تخطوها تدوس على احدها .. ومع كل دمعة تسقط تتلاشى الوان الحياة من امام ناظريها .. دخلت غرفتها وجلست على سريرها .. تحاول ان تستوعب ما سمعته .. وهل الهروب هو الحل لها .. ام ان القدر يخبيء لها المزيد .. دخلت ايمان دون ان تستأذن وهي فرحة : خلاص خولة .. عيسى باكر بيدور لنا بيت .. وبننتقل قبل يوم اليمعة .. وبعد تقدرين تاخذين فارس ولا بيقدر يسوي شيء وقتها .. لانج بتكونين ع ذمة ريال .
لا
تزال كما هي تبكي بدون صوت .. تنظر للارض عند قدميها .. ونظراتها تخترق
الارضية الصلدة .. هزتها من كتفيها تنبهها وتسالها ان كانت سمعتها .. رفعت
عيونها التي تنضح بمائها : تظنين ان كل شيء بيكون مثل ما تتخيلون .
ابتسمت ايمان : هيه .. بيصير كل شيء مثل ما تحبين . ولا اشوفج عند واحد زير نساء .. كل شهر متزوج حرمة ومطلق حرمة .. ياللا مسحي دموعج
اخذت تمسح دموع اختها والابتسامة لا تفارقها .. امسكت كفيها وانزلتهما : ما اريدكم تعانون .. اموت ولا اشوف واحد منكم متضايق ..
,‘،
,‘،
في حين كان
الخوف يتسلل اليها كان خوفا من نوع آخر يتسلل الى قلب شخص آخر .. الغرفة
الواسعة ذات الالوان الداكنة والكئيبة .. لا تبعث بالراحة .. نهض من فراشه
وهو يحرك رقبته حتى اصدرت صوتا .. رفع شعره المنسدل على وجهه للخلف بيده
.. بعدها توجه لدورة المياه ( اكرمكم الله )
.. دقائق واذا به يخرج والمنشفة على وسطه .. ارتدى ملابس رياضية وخرج الى
صالة الاسكواتش .. مرت نصف ساعة وهو يصارع تلك الكره الصغيرة .. بعدها
توجه لغرفته الخاصة .. وجلس الى صديقه الوحيد في هذا العالم .. ذاك الصديق
الذي من خلاله يبث ما فيه دون ان يتكلم .. جلس اليه ورقصت اصابعه على
الخطوط البيضاء والسوداء .. سنفونية عشق ممزوجة بصراع نفس ضائعة .. وهو في
انسجام تام مع صديقه اذا بدخول من عكر مزاجه صرخ : الم اقل لكم مليون مرة اذا كنت هنا لا اريد ان يدخل احد .
بعدها قام دافعا الكرسي حتى سقط ارضا .. نزل السلم ووقف في المنتصف ، وبصوت عالي يشوبه الغضب : خير ..
تقدم خطوات من السلم : ياللي ما تستحي .. الحين جذي تقابل ابوك .. صدج ما عرفت اربي يوم هذي تربيتي .. تفو
بصق على الارض وهو ينظر اليه : خلصت .. يعني هاجم ع بيتي فهالوقت .. بعدنا ما قلنا صباح خير .. كيف تريدني استقبلك ان شاء الله .. بالاحظان مثلا
اشر اليه بسبابته : اسمعني زين يا جويسم .. شل جواسيسك من شركتي والا ما بيصير طيب ..
دوت ضحكته العالية في المكان .. ونزل حتى اصبح لا يفصله عن والده الا درجتان : انت علمتني ان التجارة ما اتيي غير بهالشكل .. وبعدين لا ترفع ايدك بويهي .. واحترمني وانت فوسط بيتي ..
لوح برأسه والغيض يفترسه : هذا جزاتي .. بعد كل اللي عطيتك اياه .
وضع سبابته على شفتيه : اشششششششششش
نزل ومشى وعيني والده تتبعه حتى جلس واضعا ساق على ساق .. اقترب منه وصرخ في وجهه : وين امك .. وين وديتها ..
جاسم : مالك خص فيها .. اوديها وين ما اوديها .. حتى لو اذبحها مالك اي حق تتكلم .. وانت اخر واحد تسأل عنها . والحين تدل الباب .. عن اذنك ..
قام واقفا .. فوقف في وجهه : جويسم الين متى بتشل هالحقد فقلبك .. السالفة صار عليها 10 سنين .. حرام اللي يالس تسويه بامك .
دون اي مبالاه ترك المكان لوالده .. صعد الدرجات بكل هدوء .. غير آبه بأي كلمة قيلت .. دخل غرفته الخاصة .. وتوجه لركن الخاص بالرسم .. ونظر الى تلك الوحة التي يرسمها .. بكل قوته امسك الفرشاة واخذ يلطخ الوحة بضربات عشوائية وبعدها دفعها بذراعه وهو يصرخ : كلكن مثل بعض .. ولازم اكسركن .. مثل ما انكسرت بسبايبكن .
,‘،
الشمس تعانق سماء كاليفورنيا .. ولا تزال لوس انجلوس تتمتع بالخيوط الذهبية قبل رحيل الدفيء .. وبيفرلي هيلتون لا تهدء فيه الحركة .. متمددا بجانب البركة المائية والنظارات الشمسية السوداء تغطي عينيه .. وعصير بارد مع ماصة قابعا بجانبة وشرائح الليمون اتعبها الوقوف على الحواف القاسية .. عاري الا من قطعة القماش الصغيرة التي تستر اسفل سرته .. جلس بجانبه : سلام
فيصل : كل هذا فالمنتجع الصحي .. يالظالم ساعتين ونص وانت هناك ..
جلس باهتمام ناظرا لطلال الذي اخذ العصير ورشف منه : مستانس؟
وضع الكأس من يده وارتمى على الكرسي : واااااااااااايد .. تدري ودي الف كاليفورنيا كلها .. شو رايك نروح سان ديغو .. وعقبها سان خوسيه وعقبها
كان يعد
على اصابعه وهو يذكر اسماء مدن كاليفورنيا .. اشر له ان يتوقف : هاااي
هاااي .. خلاص .. انا اصلا متضايج ولا طايج عمري .. وتريدنا نلف كل
هالاماكن .. شوف طلول .. من باكر نرد الديرة
فز من مكانه : شو .. ؟؟ لا لا لا من قالك .. حشا يومين ع بعضهن ما قضيناهن .. خلنا نستانس يا ريال .. انزين اسمع .. باكر بنروح ديزني وبنستانس .. لا تقول لا .. على حسابي اوكي
قام من مكانه : انا بروح غرفتي اريد اطمن ع امي وخواتي .. والين باكر ربك يحلها ..
ما ان غادر حتى عمد طلال الى هاتفه .. واذا به يبعده عنه اذنه وملامح وجهه دليل كافي على ما يحدث
على الطرف الاخر : غربلات بليسك يا طلول .. ليش كل هالمصاريف .. اسمع لا اطولها وهي قصيره .. واذا مب قادر ان تخلي فيصل يهتم بالشغل قول مب قادر .. ولا تخسرني كل هالمصاريف .. داق الصدر وتقوله كل شيء علي ..
طلال : هدي هدي .. كل شيء بيردلك لا تحاتي .. اسمعني الحين .... اول ما تقوم الصبح تتصل ع فيصل .. وتخبره باللي قلتلك عليه انزين..
سيف : ليش بهالسرعة .. انت ما قلت يبالك اسبوع .. شو اللي غيرك ..
طلال : فيصل يريد يرد الديرة .. لا تنسى الصبح اوكي .. باي
انهى المكالمة واستلقى على الكرسي ..في الداخل وبعد ان استحم جلس على السرير واتصل بامه .. التي بدورها اخبرته بما جرى لاخته رشا .. واصرت عليه ان يبقى الامر بينهما وان لا يخبر والده .. انتهت المحادثة بعد مجادلات بينهما ..تعود على كلمات التوبيخ والزجر من والدته .. في قرارة نفسه يعلم بأن ميرة معها كل الحق فيما تقوله .. ولكن هناك شيء آخر لا يفهمه وهو عدم رغبته بالعمل مع والده .. مسح على وجهه بكفيه وهو يتشهد ..
يا
ربي الحين شو اسوي بهالمصيبة اللي تريد امي تحطها علي .. استغفر الله
العظيم .. يعني قلن البنات عشان اتزوج ميعاد .. يا رب ارحمني .
ترك جذعه
يسقط على السرير .. ودون شعور منه غفى .. وبعدها غط في نوم عميق .. النوم
الذي لم يعد يطرق باب عليا حتى اصطحب معه الاحلام المزعجة .. فزت من
نومها خائفة وانفاسها متضاربه .. بكت بحرقه وبعدها انسلت من فراشها مغادرة
الغرفة .. فتحت الباب وتلفتت كان الخوف مسيطر عليها .. مشت بخطوات مثقلة
حتى وصلت باب غرفة والدتها .. فتحته بهدوء .. واذا بها تندس في فراش
والدتها ..فزعت ميثة .. واستدارت بجذعها .. احتظنت عليا : بسم الله عليج ... شو فيج ؟
بصوت خافت بالكاد يسمع : خليني عندج .. الله يخليج
احتظنتها بقوة واخذت تمسح على رأسها وتقرأ المعوذات .. يسوءها ما يحدث لابنتها البكر التي لم تبلغ الحادية عشر بعد .. جسمها اصبح اشبه بالهيكل العظمي .. وشخصيتها باتت انطوائية بعد ان كانت تحب مخالطة الناس .. لا تعلم شيء عن الاسباب وراء ما يحدث ..
,‘،
"عندما
كنتُ صغيرا .. كان جُل ما يسعدني درهمان من والدي .. اجري بهما مسرعا الى
الدكان القريب من منزلنا مع ابناء الجيران .. نشتري المصيص والعلك ..
ونعود ونحن بقمة سعادتنا .. وعندما كنتُ في العاشرة تعلمت صب القهوة في
مجلس الرجال .. وعند الخامسة عشر بدأ التخطيط للبحث عن شريكة عمري من قبل
نساء العائلة .. كان كل ذلك يحدث وانا ارى الفخر في عيون والدي والحب
والحنان في عيون والدتي .
اليوم
لا نرى هذا مع شباب امتنا الا ما ندر .. الام تلهث خلف الموضة وآخر
الصيحات .. والاب يلهث لتلبية ما تحتاجه الزوجة والابناء من اموال .. عذرا
.. عذرا .. ابناءنا وبناتنا لا يحتاجون المال .. يحتاجون شيء اكبر من
المال .. اتظنين يا من سُميتي مربية للاجيال .. ان الاجيال ستربى على يد
خادمة لا تجيد حتى مخارج الضاد .. ام تظنين ان الاجيال ستربى من خلال
الانترنت والايفون والبلاك بيري .. وانت ايها المربي الفاضل هل سألت ابنك
يوما عما يطمح له .. كنا نطمح للقليل وكان اباءنا يوجهوننا الى طموحنا ..
وانت هل وجهتهم يوما لما يتمنون .. هل نهرتهم عن الخطأ واثنيت عليهم عند
الصواب ؟
عذرا يا مربيّ اجيال امتي .. فانتم لستم اكفاء لحمل شعار التربية ".
الكافتيريا
تعج بالبنات .. والاصوات تتداخل وتتضارب حتى اضحت لا تفهم ... مندمجة في
ذاك المقال وبعدها قررت ان ترسل له رسالة بالبريد الالكتروني .. فتحت صفحة
الرسالة .. وبعد السلام والسؤال عن الحال توقفت .. كلما كتبت جملة همت
اليها ومسحتها .. حاولت مرارا وتكرارا .. ولكن فيما عساها تكلمه .. اخرجها
مما هي فيه الطرقات الخفيفة على ظهر الطاولة .. رفعت عيناها فاذا بهاجر
واقفة وهي تبتسم لها : شحالج روضة ؟
تلعثمت وغضت النظر : بخير .. انتي شحالج ؟
سحبت الكرسي وجلست ..بدأت حديثها بتوبيخ روضة على غيابها عن المحاضرات .. وبعدها قالت بكل اهتمام : روضة .. لا تخلين اللي صار يحسسج باللوم .. انتي مالج ذنب .. ولا خواتج ولا ابوج وامج ولا حتى ناصر .. محد له ذنب باللي صار .. اعرف انكم انتوا بعد ما تعرفون ليش سوى اللي سواه .. بس سمعيني رواضي .. احمد خلاص راح .. وما بيدنا غير ندعيله ان الله يوفقه ..
تابعت حديثها دون ان تنتبه لدموع روضة التي انسكبت على خدودها .. انهت حديثها وانتبهت عليها .. اخرجت منديلا من حقيبتها واعطته روضة : مسحي دموعج رواضي .. اللي صار مب نهاية العالم .. وكل انسان بياخذ نصيبه .
,‘،
تمضي
بنا الايام نحو المجهول .. نحو المستقبل الذي ينتظرنا .. ولا بد من وخزات
الماضي في حياتنا حتى لو اجبرنا انفسنا على النسيان .. تنطبع علينا مقولة
والدنا المغفور له باذن الله زايد " اللي ماله ماضي ماله حاضر "
نحن هكذا خليط من ماضينا وحاضرنا .. يحاصرنا الماضي بقسوته رغم جمال
الحياة التي نحياها حاليا .. وقد يكون العكس .. مضت تلك الايام بعائلة راشد
الـ... ، لكل شخصا فيها هما واسرار مخفية .. مجتمعون في تلك الصالة
الكبيرة .. البعض انشغل بالحديث والبعض الاخر انشغل بما في يده .. وما يصله
عبر الاثير .. اما فاطمة فغرقت في دوامة ماضيها .. تجاوزت الثلاثين من
العمر منذ سنوات .. ولا تزال في منزل عائلتها بسبب احكام غريبة من والدها
.. سعيد كان لا يكف عن النظر الى عبدالله بين الفينة والاخرى وفي عينيه
حقدا ونفسه تحدثه : ما بخليك تسوي اللي فراسك يالخسيس .
اما راشد كبير العائلة والآمر الناهي فيها اتكأ على الوسادة بعد ان ارتشف فنجان قهوته .. واخذ يتبادل الحديث مع شريكة عمره .. وما ان انتبه عبدالله على الحديث الدائر بينهم حتى قال : لا تشغلون بالكم .. ترا ما افكر فالعرس .. لاحقين عليه .
قهقه
راشد ولم يهتم لكلام ابنه .. اما مايد اخر شباب العائلة فكانت عيناه على
البلاك بيري واذنه معهم .. ترك ما في يده والتفت لعمته ميثة التي كانت
تطعم ابنتيها خلود وحصه اللتان لا تتجاوز اعمارهما الخامسة والثالثة بعض
من الفاكهة : عمتي .. عيل وين عليا .. ما اشوفها تيلس ويانا مثل قبل .
دون ان تلتفت : تعبانه شوي .. مزكمة ومحمومة .
اعتدل بدر في جلسته وباهتمام قال : وديتها المستشفى .. اخاف يكون فيها شيء .
قامت فاطمة مستأذنه .. اما عبدالله فاخذ يحدث نفسه ونظره تارة على سعيد وتارة اخرى على بدر واهتمامه الزائد بعليا وصحتها : باين يا سعيد انك انتبهت ع تحركاتي .. والدليل ان ريم من ذاك اليوم ما طلعت من حجرتها .. بس يا ويلك ان كنت مسوي فيها شيء .. والله ما بيصير فيك طيب .
جالسه وتنظر الى وجهها المزرق في المرآة وتتحسس شفتها المجروحه بحذر .. سقطت دموعها وهي تتذكر ما حدث ذلك اليوم .. دخلت الغرفة اذا بيده تسحبها وترميها على السرير : شو اللي موقفج وياه .
بخوف ردت : كان يسلم .
امسكها من شعرها حتى صرخت : يسلم وما بينج وبينه الا خطوة .. تكلمي شو كان يريد منج .
ترك شعرها وهو يدفعها من جديد على السرير .. نزلت دموعها واخذت تصرخ : والله كان يسلم ..
ابتعد عنها فقامت واقفة .. مسحت دموعها وسألته متى عاد الى المنزل .. اجتاحه غيظا على غيظه : عفيه ع الحرمة اللي ما تدري ريلها اذا عنده دوام او اجازة .. بس ربج فوق .. رادلي اني اكشفج مع هالخسيس .
اقتربت منه : سعيد .. والله العظيم ما في شيء .. صدقني .. كل السالفة ان عبدالـ..
لم تشعر الا وهي ساقطة على الارض .. وهو يصرخ عليها : لا تيبين اسمه ع السانج .. ترا والله يا ريموووه بشوفج نجوم الليل فعز القايله ( منتصف النهار )
بكت وتساقطت دموعها مبلله جرح شفتها .. رن هاتفها فقامت بكسل حيث كان على السرير " ابوي الغالي يتصل بك " شدت بقبضتها على هاتفها حتى سكت عن الرنين : شو تباني اقولك يا ابوي .. ان غلطة عمرك يالسه ادفع ثمنها اضعاف واضعاف ع ايدين سعيد .
,‘،
جاء اليوم الموعود .. ركب سيارته وامر سائقه ان ياخذه الى منزل عيسى .. تركوا الشارع العام الى شوارع صغيرة متقاطعة تحدها المنزال البسيطة والاشجار التي لا يخلو منزل من تلك المنازل من وجودها .. توقفت السيارة وصوت اذان المغرب يصدح من مكبرات الصوت .. ترجل وعبر الممر الضيق الى ذاك القسم الصغير من ذاك المنزل الكبير .. التفت الى سائقه الذي بدوره نزل معه : متأكد ان هذا بيته .
اجابه
السائق وبلهجة عربية مكسرة بانه متأكد .. رن الجرس وانتظر .. طال
الانتظار .. اعاد الضغط على الجرس ولكن لا من مجيب .. بدأ الغضب يتسلل الى
نفسه .. طرق الباب بقبضة يده .. ولكن لا مجيب .. وهو على هذه الحالة اقترب
منهم رجلا قد خرج من احد البيوت المجاورة وانتبه لوجودهما ..تقدم منهم
والقى تحية الاسلام ، بعدها اخبرهما ان من كانوا في المنزل رحلوا بالامس ..
اشتاط غضبا .. وركب سيارته وهو يزفر زفرات وعيد .. حمل هاتفه : اسمعني زين .. اريدك اطلعلي الكلب عيسى من تحت الارض .. ما عندك الا يومين .. تسمعني .
اغلق المكالمة ونظر الى يمينه وهو يسند ذقنه بقبضة يده واخذ يحدث نفسه : هين يا عيسى .. انا تسوي في هالسواة .. ما عاشت ولا بتعيش اللي ترفض جاسم الـ..
,‘،
تتزاحم
الهموم عليه كتزاحم النسور على جيفة شاة غادرتها الروح .. جلس في سيارته
الواقفة امام منزل عائلته .. ولا يزال يفكر بها .. ويتذكر كلماتها .. اسند
رأسه على الكرسي وهو مغمض العينين .. تذكر عيونها المصدومة وهي تصرخ به
بعد ما وصلها خبر طلاقه لها .. تذكر انكسارها رغم الكبرياء الذي كانت فيه
.. نظر الى السلسال المتأرجح من المرآة الامامية .. امسك نهايته حيث قبع
خاتمها الباريسي كما كانت تقول .. مع انه لم يشتريه من باريس .. بل من احد
متاجر الذهب بالدولة .. قال لها يومها : اسف .. ما قدرت اشتريلج الخاتم .. بس هذا خاتم اشتريته من هني ..
يومها ابتسمت له .. وقالت : ما يهم .. المهم ان نيتك كانت بخاتم من باريس .
اعتق الخاتم من قبضتة .. والتفت لجانبه حيث يقبع سبونج بوب بلونه الاصفر وعيونه الزرقاء الواسعة وابتسامته ذات السنين البارزين من الاعلى .. سحبه من يده .. ونزل وهو يعلقه دون رأفة .. البيت هاديء و بارد رغم حرارة الصيف الا انه يراه باردا ببرودة فصل الشتاء في دول اوروبا .. صعد الدرجات .. وارجل سبونج بوب تصطدم بحوافها .. وقف وتلفت يمنة حيث غرفة اخته روضة .. ثم سحب نظراته الى الغرفة التي بجانبها .. مشى بهدوء ووقف قليلا امام الباب .. رفع سبونج بوب وامسكه من وسطه .. فتح الباب وتقدم بهدوء من السرير .. العنود نائمة ووجهها للجهة الاخرى .. وضع سبونج بوب بهدوء على الكوميدينة بعد ان ازاح قنينة الماء قليلا .. وانحنى .. وازاح شعرها المجعد عن وجهها وهو يرسم ابتسامة على وجهه .. فهي الوحيدة التي تشابهه بنوع الشعر .. طبع قبلة على خدها وغطاها وقبل ان يصل الى الباب توقف حين جاءه صوتها : ليش ؟
لم يلتفت احس بان تلك الكلمة هيجت ما اخمده قبل ان يطء غرفتها ..تابعت وهي تسحب جذعها لتستند على السرير : انت مريض ؟
ابتسم وبعدها التفت وتقدم من السرير وجلس على حافته : لا .. بس
سكت وانزل نظره .. ردت عليه باخر كلمة : بس ؟
رفع نظره لها : سامحيني .. لاني اذيتج بدون ما اقصد .. ترا هذاك اليوم كنت مفول ( معصب ) وزين انها يت ع ايدج .. لو غيرج كنت ذبحته هههه
ضحك وهي لم تحرك ساكنا .. لانها ادركت ان تلك الضحكة لم تكن الا تصنع خلف حزن اصبح يفضحه من خلال عينيه .. لم تتكلم وهي تستمع له .. كان يتكلم عن اشياء كثيره .. عن دراسته وتعبه فيها .. عن سفره الذي تاجل الى الغد .. وعن سبب التاخير .. كان يتحاشى التطرق لما تريد هي ان تعرفه .. فقاطعته : وهاجر ؟
شد على قبضة يده : الله يوفقها مع غيري .. الحين رقدي لان وراج مدرسة .. والا عيبتج اليلسة فالبيت .
ابتسمت وهي تسحب نفسها على السرير ليغطيها ويطبع قبلة على خدها ويغادر بعدها .. كان يتحاشى الجميع .. لم يعد يستطيع النظر الى عيونهم .. واليوم رغما عنه نظر الى عيون العنود التي خلف نظراتها مليون سؤال .. ولكنه حتى هذه الساعة لا يستطيع ان يجيب على أي منها .. الاسئلة بالنسبة له صعبة كأمتحان في مادة لا يعرف ماهيتها .. غدا الرحيل .. كان يحدث نفسه قائلا أن غدا سينتهي ارتباطه بارض الوطن .. وكان يتمنى لو أن كل شيء يعود إلى حيث وقوفه على ارض مطار دبي منذ ثلاث سنوات .. عندما قال له ناصر وهو ممسكا بيده : ليش ما تخلي عنك الدراسة برع .. وتدرس فالدولة .
تمنى لو انه تراجع حينها .. تمنى لو كان ما لم يكن .. كما باتت خولة تتمنى لو انها لم تضع اخاها في هذا الموقف .. كانت جالسة في قاعة الانتظار في المحكمة وبجانبها ايمان .. التي اخذت ترقب كفيها وحركتهما الدالة على توترها .. وضعت يدها على كفي اختها ونظرت اليها من خلف الغطاء : كل شيء بيكون اوكي .. الحين بيي فارس .. وبنقدر عقبها نرجع للبيت اللي كنا فيه من صغرنا .
تمتمت : ان شاء الله .
مر الوقت .. الدقيقة تتبعها دقائق .. والساعة تجر خلفها ساعة .. وعيسى لا ينفك يتصل بصديقه فارس والهاتف يرن حتى يهلكه الرنين .. لم يكن مهتما بالحرارة التي تصهر جسده الممتليء وهو ينتظر فارس خارج مبنى المحكمة .. في حين وفي مكان بارد بسبب هواء المكيفات كان يجلس فارس وهو ينظر حيث وضع فنجان القهوة امامه على الطاولة الزجاجية .. كان رنين الهاتف المتواصل يقتله .. والكلام الذي وصله يزيد في قتله .. كان ينظر اليه ببرود وهو يضع ذقنه على كفيه : الكوره فملعبك يا فارس . وانا ما اجبرك ع شيء .. رد ع فونك .. وعط عيسى رايك .. وانا بعد متشوق اعرف قرارك فاللي قلته لك .
كان كل شيء متضارب في ذهنه .. لا يعرف بما يجيب .. او ماذا عساه يقول لعيسى الذي وضع كل آمله في خلاص خولة بيده .. كان التوتر يحكم قبضته على ايمان برغم انها تحاول ان تخفيه عن خولة .. اما خولة فاخرجت هاتفها من حقيبتها وادخلته من تحت غطاءها ( الغشوة ) ونظرت إلى الساعة .. قاربت على الواحدة .. مضت اربع ساعات وهم ينتظرون .. ايقنت حينها ان لا أمل في الخلاص .. ضغطت على زر الاتصال : عيسى خلنا نرد البيت .
بهتت ايمان : شو فيج .. خلينا نتريا شوي .. انا اليوم غبت عن المدرسة عشانج .. الله ما بينسانا ..
اغلقت الهاتف ووضعته في حقيبتها ووقفت : قومي .. يكفينا ذل ..
امسكتها بيدها وتحولت انظار المتواجدات في القاعة اليهن .. وقفت مع اختها وغادرتا القاعة .. ليلتقيا بعيسى في الخارج .. سارعت ايمان اليه : اتصل بفارس .. شوف وينه .
عيسى : تعبت اتصل فيه .. ما يرد علي .. مادري شو صار فيه .
ابتسمت بحزن : جاسم وصله .. لا تنسون انه يشتغل فوحده من شركاته .. استهنا فيه .. وانا طاوعتكم بكل شيء مع اني كنت حاسه ما بنوصل لشيء .
عاود الاتصال وهو يطمئن اخته بان الوقت لا زال في صالحهم .. ولكنها اصرت ان لا تعود الى الداخل .. بعد جدال عقيم استسلم لاخته وهو يتهدد لفارس .. كما تهدد من قبل طارق لاحمد .. الذي عاد الى المنزل متاخرا وهو يلف يده اليمنى بالشاش .. دخل الى غرفته ورمى غترته على الكنبه .. خلع ثوبه وهو يشعر بألم في يده صرخ بصوت خفيف فانتبهت شهد قامت مفزوعة من سريرها .. تقدمت منه وزاد خوفها وهي ترى يده الملفوفة بالشاش ..وعندما همت لتمسكها ابعدها عنها : لا تخافين ما في شيء .
غالبها الخوف حتى سقطت دموعها : شو ما اخاف .. شوف ويهك كيف صاير .. وين كنت للحين .. وليش ما كنت ترد ع اتصالاتي ومسجاتي .
صرخ حتى تزلزل جسدها الصغير : بسج اسئله .. هذوني قدامج ما في شيء .. تسمحيلي اروح اتسبح .
غادر المكان وهي متجمدة مكانها .. اول مرة يصرخ عليها بهذا الشكل .. انهمرت دموعها .. تمنت لو امها على قيد الحياة لتشكي لها ..انسحبت من المكان وجلست على السرير وشهقاتها لا تتوقف .. خرج من دورة المياه ( اكرمكم الله ) واخذ له مخدة ولحاف وغادر الغرفة .. لم تسأله شيء .. حتى انها لم تلتفت إليه .. اسقطت نفسها على السرير وغرقت في بحر دموعها .. هي لم تخطأ في شيء .. كل ما حدث انها خافت عليه .. فهل يجازيها بهذه المعاملة ؟
,‘،
انقضت تلك الليلة بالهموم وبالدموع وبالفرحة للبعض .. صلت الفجر وطوت سجادتها وفتحت المصحف تقرأ اربع صفحات منه كما تعودت كل يوم .. قامت بعدها بكسل وهي تشد جسمها برفع ذراعيها للاعلى .. تنهدت وحركت رقبتها قليلا .. ثم خرجت فاذا بها تراه عائدا إلى غرفته وبيده ما اخذه بالامس معه .. نادته وسألته أين كان .. ليجيبها : كنت راقد فالميلس .. ييت متأخر البارحة .. و
قاطعته وهي تقترب منه : طارق فيك شيء ؟
طارق : لا ما في الا العافيه .. والحين بتسبح وبروح لدوام .. انتي فيج شيء ؟
هزت رأسها بلا .. بعد ان ترك المكان غادرته هي ايضا للمطبخ لتصبح على والدتها ..حين دخل التفت الى السرير حيث شهد .. احس بانها كانت مستيقظة ولكنها تمثل عليه النوم .. لم يعرها انتباها .. مرت الدقائق وهي متغطيه في سريرها .. حتى خرج .. بعدها انكمشت وبكت .. لم تغادر غرفتها صباح ذاك اليوم .. مما جعل هاجر تمر عليها .. كل ما رأته ذاك اليوم أكد لها بأن طارق متغير .. نومه بعيدا عن غرفته .. عيونه الحائرة .. وجهه الشاحب .. حالة شهد وعيونها الحمراء من كثرة البكاء .. كل ذلك كان دليلا لها بأن طارق يخفي أمرا ..ولكنها فضلت ان لا تتدخل بينهما .. حتى انها لم تلح على شهد ان تخبرها بما جرى وجعل طارق ينام خارج غرفته .. غادرت غرفة شهد الى غرفتها .. مر يومان على اخر ما كتبته ردا على تلك التغريدة ..عمدت إلى جهازها .. فاذا بها تفاجأ بعدد المتابعين لها الذي تجاوز مائة متابع .. وتغريدة قصيرة : أين انت ؟
كانت رسالة من شخص اطلق على نفسه " عيناوي ولكن " .. لم تهتم .. ضغطت على " الرئيسية " لتتابع آخر التغريدات .. قرأت وقرأت حتى ملت .. عمدت إلى خانة التغريدات وكتبت : يوم مختلف .. قد يكون بداية لعاصفة .. وقد اكون فيها المهاجر الذي هاجر عن ماضيه .
دقائق واذا بتغريدة تصلها من نفس الشخص الذي لقب نفسها بالمسافر : لا يهاجر عن ماضيه الا الانسان الضعيف . من اراد القوة فليقف على اعتاب الامس .. ولينظر لنقاط ضعفه..
اجتاحها شيء من الغضب .. عمدت الى صفحته وضافته في قائمة المُتابَعون .. واذا بها ترسل له رسالة خاصة :
السلام
عليكم . اخوي انا اكتب لابوح باشياء في داخلي .. فاتمنى ان لا ترد على
تغريداتي باي تغريدة .. فنحن لسنا في ساحة نقاش وابداء الرأي .
رد عليها بأبيات من قصيدة للامام الشافعي : دع الايام تفعل ما تشاء . وطب نفسا اذا حكم القضاء .ولا تجزع لحادثة الليالي .فما لحوادث الدنيا من بقاء
حين قرأتها احست بشيء ما يخترق ضلوعها .. فأوجس الرعشة فيهما .. لم ترد عليه .. وانسحبت من المكان بأكمله .. اغلقت جهازها ووضعت كفها على فمها .. واغمضت عيناها محاولة ان تغالب دموعها .. بعدها قامت لتستعد لذهاب إلى الجامعة .. لعل الدراسة تساندها على النسيان . وهي تنظر الى المرآة لترتب غطاء شعرها ( الشيلة ) اذا بها تلتفت بخوف نحو الباب الذي فتح على مصراعيه .. ليتبادى لها وجه عمار الغاضب : انتي شو اللي مسويتنه ؟
بخوف : شو ؟ شو فيك ؟
تقدم منها : مسجله سبع مساقات .. ليش ؟ تبين تقتلين عمرج ؟
عادت تنظر الى المرآة ، وبعد أن انتهت من ترتيب غطاء رأسها .. التفتت إليه : انا حره ..
وقبل ان تخرج اذا بيده تمسك ذراعها بقوة : هاجر بضيعين مستقبلج .. المساقات اللي مسجلتنهن مب سهلات .. معدلج بينزل .
التفت له .. وافلت يده من ذراعها : عمار .. اقدر احافظ ع معدلي .. وباين انه لازم اغير الباس ( كلمة المرور ) المشتركة .
عمار : هذا ردج ..؟
بكل برود اجابت : انا ولا مرة دخلت بالاي دي مالك .. ولا مرة يا عمار .. مب عشان شيء .. الا لاني ما احب اتطفل عليك .. واشوف مساقاتك ومعدلك او حتى اشوف درجاتك .. صح اتفقنا ع نفس الباس عشان نتابع بعض ونحفز بعض .. بس ما توصل لانك تدخل فقراراتي .
عمار : بس هذا غلط .. معدلج بينزل .
طبعت قبلة على وجنته اليسرى في وسط ذهوله من تصرفها : اختك قدها وقدود يا عمار .. عن اذنك تاخرت .
,‘،
اشجار
النخيل تعطي المكان أُلفة رائعة .. كان يمشي متوجها ألى ذلك الدار الذي
يقبع خلف جدرانه امهات واباء لم تسعفهم الحياة بابناء باريين بهم .. مشى
بهيبة وابتسامته لا تفارق وجهه المرح .. الكل يسلم عليه .. الممرضيين وحتى
القاطنين في المكان ..وقف اخيرا امام احدى الغرف .. تنفس بعمق وكأنه يريد
أن يختزن الهواء قبل الاقتحام . خلف الباب ديكور هاديء من يراه يظن انه في
الستينات من القرن السابق .. في واحده من خيام البدو الجميلة .. الجلسة
الارضية .. والادوات المصنوعة من سعف النخيل المعلقة على الجدار المطلي
بلون ابيض مائل الى الاصفرار .. وجرة الماء القابعة على كرسي دائري صغير
بثلاثة ارجل .. وامرأة بدينه سمراء البشرة قابعة على كرسي مدولب .. ووجهها
للنافذة ناظرة إلى اشجار النخيل وثمرها المخضر مبشرا بخير قادم . عيونها
تائه وكأنها تعيش ماضي طوته السنون وبصم على وجهها بأخاديد التعب .التفتت
حين فتح الباب ليتحرك البرقع الذي على وجهها .. ولتظهر ارنبتا انفها الكبير
على جانبي خطه الفاصل بين فتحتي العينين .. عدلت وضعه على وجهها .. وهللت
به ورحبت .. ليقع على رأسها مقبلا له .. ومن ثم على يدها .. سألته عن
اخوته وعن احوالهم .. بكل مرح اجابها انهم بخير .. قالت : وين اخوك الحرامي اللي ينخش فحجرتي وياخذ البسكوت من الكبت .
ضحك حتى بان الدمع في عينيه : هذا انا ياميه .. انا اللي كنت اسرق البسكوت مب اخوي .
اخذت تردد : لا لا لا .. وهي تحرك سبابتها امام وجهه : مب انت .. اخوك .. تحسبني ما اعرفكم .. ولا اعرف انك دووم تحط اللوم عليك .. وهو اللي يغلط .
بعدها سكتت واخذت تقص عليه قصص مضت .. مل من سماعها .. ولكنها لا تتذكر انها حكتها له قبلا .. كانت تحب ان تتكلم عن ايام الغوص .. وعن والدها الذي عمل بالغوص سنين خلت .. وعن جدها وعن لؤلؤة جدها .. وعن حياة كان الفقر يكبلها .. وعن تعب اجدادها .. وحبهم لارضهم وللبحر .. كان جالسا عند قدميها على الارض ينظر اليها والى تجاعيد عينيها .. ويتذكر اياما كانت فيها معهم في منزلهم .. وها هي الآن تناهز السبعين من العمر .. ولا تذكر الا اياما كانت وعفى على عليها الدهر ..
بينما كانت الوالدة بخيتة تتذكر ايام اجدادها .. كانت علياء تتذكر ما مر معها بعد وفاة والدها بحادث سيارة .. لا تزال الاحلام تطاردها .. ولا يزال ابن خالها يثير في نفسها الرعب والاشمئزاز .. توقف باص مدرستها عند منزل خالها الذي اضحى سكنها بعد وفاة والدها منذ سنة ونيف .. نزلت وحقيبتها المتكدسة بالكتب على ظهرها .. نزلت بمريولها الرمادي الطويل ..كانت نسيمات الهواء تحرك شعرها المربوط كذيل حصان وهي تمشي داخلة المنزل . هناك كان صراخ حصة قد طغى على المكان جراء علبة "البرنقلز " التي احضرها بدر واعطاها لها وسحبتها منها خلود .. وممتنعة عن ارجاعها .. كان يحاول ان يسكت حصة عن البكاء ولم يكن امامه الا ان يقول : خلاص حصوة .. الحين بوديج الجمعية وبنشتري لج غيره .
صرخت بكل ما فيها من نفس : لااااااااا .. حصة ما بتروح لاي مكان ..
تقدمت منهما وسحبت حصة من يد بدر .. وزاد بكاء حصة ذات الثلاث سنوات .. وعليا لا ترأف بحالها .. بعدها صرخت على خلود الواقفة بعيدا عنهما لتذهب للغرفة .. لكنها لم تتحرك من مكانها .. تقوست شفتاها وهي تقول : ما اريد
تقدمت منها عليا وهي في قمة غضبها .. ولا احد يعرف كيف جاءتها كل تلك القوة لتحمل حصة وتسحب خلود وكانها تجر نعجة للذبح .. حاول بدر ان يردعها .. فصرخت فيه : مالك خص فينا ..
ليقف تغالبه الحيرة .. ويشده مشهد علياء الذي لاول مرة يراه .. كان وجهها احمر من الغضب وكأنها ستبكي .. دخلت الغرفة ودفعت خلود على الارض وانزلت حصة .. وانزلت حقيبتها بعنف بجانب السرير القريب من الباب الذي كان لخلود ..جلست واخذت تنزع جواربها بينما حصة اقتربت من خلود واخذت تبكي وتطلب امها .. وقفت : خلودوووه ما بتاكليلج قوطي هالكبر كبره بروحج .. عطي حصوه منه .. وطلعه وياهم ماشي .. فاهمه انتي وياها .
التفتت الى الباب حيث دخلت فاطمة بعد ما اخبرها بدر بما جرى فور ان دخلت المنزل عائدة من عملها في احدى المدارس الابتدائية .. جرت حصة وتمسكت بعباءة فاطمة من الخلف وهي تبكي ولا زالت تطالب بأمها .. تقدمت منها فاطمة : شو فيج علايا ؟
ابتعدت وانفاسها متتابعة وكأنها جرت مسافة واتعبها الجري : طلعي برع .
لم تنتبه الا بكف والدتها على وجهها .. ليحيل عيونها الى بحيرتين من الدموع : احترمي بنت خالج اللي بكبر امج ..
وضعت فاطمة يدها على كتف ميثة .. في حين تشبثت حصة بها واختبأت خلود خلف فاطمة : ميثة مب جذي تنحل الامور .. مب بالضرب .. باخذ البنات وياي .. وفهمي منها اللي صار بهدوء .
حاولت مع حصة وخلود .. ولكن لم تستطع اخذهما الا بعد اغراءات منها بالحلويات .. تركت المكان .. واغلقت الباب من خلفها .. اما علياء فكانت تنظر للارض وبعدها هرولت نحو دورة المياه ( اكرمكم الله ) .. جلست ميثة على حافة سرير خلود وهي تستغفر .. بعدها بدقائق قامت بعدما تأخرت علياء في دورة المياه .. اقتربت واخذت تطرق ع الباب بخفة بعدها اخذت تناديها لتخرج وهي تعتذر منها بسبب ما صدرفي لحظة غضب .. بعد ترجي من ميثة خرجت .. وقفت ونظرها للارض .. جلست القرفصاء امام ابنتها ووضعت كفيها على كتفيها : شو صاير وياج علايا ؟ قوليلي ..
لا تزال على وقفتها : خلينا نروح بيت ابوي .. خلينا نرجع بيتنا ..
رفعت عيونها المليئة بالدموع وقالت بصوت متهدج : ليش ابوي خلانا .. ليش ما بقى معنا .. امي اريد ابويه .. وديني له الله يخليج .. الله يخليج خلينا نروح لبيتنا .. خلينا نروح بعيد عن هني ..
لم يكن من ميثة الا انها احتظنت علياء بقوة .. ودفنتها في صدرها ودموعها تغالبها .. فكيف تعود الى منزلها وفيه أُناس استأجروه .. وكيف لها ان تخرج من منزل اخيها .. وهي تعلم لو انها فعلت لغضب منها .. يكفي انه فتح لها ولبناتها منزله بعد وفاة زوجها .. نزلت دموعها مع دموع ابنتها التي لا تعرف مالذي غيرها من حال الى حال ..
,‘،
يقدم رجل ويؤخر الاخرى .. كيف يستطيع ان يزف هذا الخبر لوالدته .. وقف عند عتبة الباب .. كانت هناك توجه الخادمة لعملها في ترتيب المطبخ .. وتساعدها بما تستطيع به .. وقفت بعد ان قال : امي .. احمد سافر اليوم .
وقع الكأس من يدها وتشظى ... تقدمت منه : كيف سافر بدون ما يسلم علي .. ومتى سافر
ناصر : من شوي متصل علي ويقول انه فالمطار وطيارته بطير عقب شوي .
مشت بانكسار تصفق اليمنى باليسرى : لا حول ولا قوة الا بالله .. لا حول ولا قوة الا بالله ..
دخل ابو احمد على صوتها والخوف يتملكه : خير شو صاير .
ام احمد : اي خير .. اي خير وانتوا ضيعتوا ولدي .. اي خير وانتوا ع الطالعة والنازله تسألونه ليش .. الولد ما يريد يقول .. خلوه براحته ..
جلست واكملت بصوت تخنقه العبرات : خسرتوني من ولدي .. خسرتوني من احمد .. يا ويل حالي عليك يا احمد
صرخ وهو يحرك عصاه امامه : باللي ما يحفظه .. مسود الويه .. اللي سود ويوهنا قدام الناس .
ام احمد : ذنب ولدي فرقبتكم كلكم ..
كانت تكرر تلك الجملة وهي تنسحب بحال ام ثكلى .. ابتعدت وابتعد صوتها عن المكان .. وساد صمت رهيب بعد انسحاب ابو احمد .. بقي هناك واقفا وقلبه يبكي على اخا نطق بكلمات الوداع في أذنه .. كلمات جديدة خالطها ندم وحسرة تعتصر القلب . في مكان اخر كان لصمت دورا فيه .. وقف وهو ينتظر جوابا من فارس .. بعد ان استقبله بنظرات الحقد والكره لما حدث .. وقف معه في الصالة سائلا : عطني اعذارك يا استاذ فارس .
لم ينبس ببنت شفه .. كان الصمت سيد الموقف .. بعد دقائق من السكوت ونظرات عيسى التي كانت تذبحه : ما بقول اي شيء الا بوجود خولة .
زفر بغيض : بروح اناديها لك .. القهوة عندك تقهوي الين ارد .. تراك مب غريب
كان يستهزء عندما نطق آخر جملة .. تردت في أذنه . تراك مب غريب .. فقال في نفسه : مب غريب .. لو مب غريب ما خذلتك يا عيسى
عاد ومعه خولة وهي تغطي وجهها وقفت بعيدا بعد ان القت التحية : خير يا فارس .. شو ياي تقول عقب اللي صار .
عيسى : ياللا رد .. عطنا اللي عندك .
فارس : غصب عني اللي صار .. والله انه غصب عني .. حطاج فكفة الميزان وحطى اختي فالكفة الثانية .. خولة .. اختي بعدها صغيره وهو خيرني بينج وبينها .. ما قدرت ارمي اختي عند واحد اكبر عنها باكثر من 15 سنه . ما قدرت .. وفوق هذا هددني فيكم ..
خولة : يعني ارخصتني يا فارس .
فارس : فهموني .. انا ما دخلني فمشاكلكم .. بس عشانكم وعشان اختي انسحبت
امسكه عيسى من ثوبه من جهة رقبته : لا تقول عشانا ..
فك يديه بقوة وقال : عشانكم يا عيسى .. عشانكم .. قالي بيسحب اقامتكم .. فاي لحظة .. خبرني وين بتروحون عقبها
خولة : ارض الله واسعه .. بس ما هقيت انك تتخلى عني بهالشكل
بصوت يشوبه الغضب وخالطة شيء من الندم : والله اني احبج يا خولة .. بس مب مستعد ابيع اختي عشانج .
ترك المكان .. وسط ذهول عيسى .. ودمعة سقطت من قلب خولة .. غادر المكان وكلامه لا يزال يتردد فيه
مب مستعد ابيع اختي عشانج
مب مستعد ابيع اختي عشانج
مب مستعد ابيع اختي عشانج
,‘،
اليوم
يمضي ليكون في روزنامة الامس .. وتتتابع الايام نتجرع فيها مر المعاناة ..
كما نتلذذ فيها بسعادة اللحظات .. نمشيها الى النهاية ونتناسى ما مر بنا
رغما عنا احيانا .. واحيانا اخرى يكبو في انفسنا دون ان نشعر به .. اجتمعوا
في حلقة شبه دائرية على صحن الارز الذي يضم في وسطه قطع الدجاج المشوية ..
الجميع هناك .. شهد بجانب زوجها وبينه وبين هاجر .. كانت تلك اللقيمات
الصغيرة التي تأكلها أثر في فتح الحديث : كلي زين .. الاكل واايد ما بينقص اذا كبرتي اللقمة .
مريم : خلها ع راحتها يا ولدي .. كلي يا بنتي ما عليج منه .
الجميع كان يشعر بتغير طارق المفاجأ .. اضحى دائم الشرود وقليل الكلام .. حتى مزاحه اختفى من المنزل .. اخذت علبة "الروب " وسكبت منها امامها وهي تقول : ابويه تراني سجلت صيفي .
ليغص عمار بلقمته .. ويسعل حتى احمر وجهه .. وامه تسمي عليه وتضربه بيدها على ظهره .. مد له طارق كوب الماء .. شربه وهو ينظر بقسوة الى هاجر ..
ابو عمار : ليش يا بنتي .. احنا كل سنة نسافر فالصيف .. مب حلوة نخليج ونروح .. وبعدين الدراسة لاحقه عليها . ع شو مستعيله الله يهديج .
مدت يدها تاخذ قطعة من الدجاح : ابويه اريد اخلص السنة الياية .. لاني افكر اسافر .
حملق الجميع اليها .. سالتها والدتها عن الذي تفوهت به .. لم ترد وقالت ان كل شيء في وقته .. وقفت وهي تحمد ربها على نعمته وغادرت .. بعدها غادر طارق .. تكلم عمار وهو يشكي اخته لوالديه .. وان عليهم ان يردعوها عما تريد فعله .. وسط كل ما حدث كانت شهد شاردة الذهن حتى انها تأكل دون ان تطعم الطعام .. لا احد يهتم بها حتى طارق اهملها بقوة .. قامت وبعد ان غسلت يديها توجهت الى غرفتها .. كان جالسا يشاهد التلفاز .. من يراه عن بعد يظن انه مركز مع ما تقوله تلك المذيعة في نشرة الاخبار ، الا انه هناك بجسده فقط .. استجمعت شجاعتها وقررت ان تتحدث معه وتضع النقاط على الحروف .. اقتربت بهدوء والتوتر حليفها .. كان جالسا على اخر السرير ونظره لتلفاز المعلق على الجدار .. جلست على ركبتيها امامه تقريبا ووضعت يدها على ركبته اليسرى لينتبه لها .. نظر اليها قليلا ثم عاد لينظر للشاشة المقابلة له ..اخذت نفسا عميقا وقالت : طارق .. انا غلطت وياك فشيء .. سويت شيء زعلك مني وخلاك تهجرني بهالشكل .. وتكلمني باسلوب اول مرة اشوفه منك .. اذا غلطت وجهني .. انت متعلم واحسن عني .. يعني كل اللي عندي الثانوية وعمري ما بوصل لتفكيرك الا اذا انت ساعدتني .
سكتت تريد اي كلمة منه .. حتى لو يصرخ عليها .. او يضربها .. المهم يحسسها بانه يستمع لها .. استطردت قائلة : حبيبي
.. امك تظن اني مزعلتنك .. حتى ان معاملتها لي تغيرت .. حبيبي ريحني الله
يخليك .. انت شايف علي شيء يخليك ما تلمسني .. حد قالك شيء عني .. حبيبي رد
علي ..
تكلمت كثيرا وهو صامت .. ولكنه كان مع نفسه متكلما : شو اقولج يا شهد .. كيف افسرلج اللي انا فيه .. اذا بروحي مب عارف شو اسوي .. اقولج اني اخاف .... يا ربي ارحمني .. مب قادر اركز .. ولا اتحمل اشوفها بهالشكل .. ولا اقدر اقولها اللي في ..
تغير صوتها بعد مخالطته لبكاءها : طارق .. اذا ما تريدني وشايف علي شيء .. الاحسن ..
وضع اطراف اصابعه على شفتيها : لا تقولينها .. اريدج بس تتحمليني .. تحمليني يا شهد .. تقدرين ع هالشيء .. والا ما تقدرين .
انكبت على ركبته .. وبصوت يشوبه البكاء : بتحملك لاخر يوم بعمري .. بس الله يخليك لا تسوي بعمرك جذي ..
رفع رأسها ومسح دموعها .. وابتسم .. اكملت : اذا تريد تبقى بروحك .. بروح كم يوم عند اخوي .. عشان ترتاح ..
طارق : اوكي يا روحي .. جهزي عمرج وبوصلج اليوم عقب صلاة المغرب .. وبكلم اخوج فسالفة بعد .. بس قبل كل شيء تأكدي انه بيكون فالبيت اليوم .
ابتسمت وقامت وهي تقول بانها ستتصل عليه وستخبره بانهم سيتعشون عنده الليلة .. اما طارق فاخذته الافكار من جديد الى تلك الليلة التي تاخر فيها .. الى ما حدث فيها .. الى الكلمات التي اخترقت اذنيه حتى انشلت طبلتاهما عن الحركة ودوى المكان بطنين لا يعرف سببه .. هل هي قوة الكلمات ام القادم من بعد تلك الليلة الذي لن يبشر باي خير في نظره ..
,‘،
كما
كانت تلك الافكار تعصف بعقل طارق كانت افكار اخرى من نوع اخر تعصف بعقل
ريم .. التي كانت جالسة مع عمتها ام سعيد وفاطمة وميثة قبيل العصر في
الصالة .. كانت الاحاديث كثيرة .. فلانه ولدت .. وفلانة تبحث عن عروس
لابنها .. وابو فلان توفي .. وغيرها من الاحاديث التي تحلو لام سعيد الكلام
فيها مع ابنتها واخت زوجها وزوجة ابنها بعد لقاءها الصباحي بجاراتها ..
وما ان ذكرت ميثة الحفلة التي ستقيمها احدى صديقاتها بمناسبة الاربعين
وانها تدعوهن للحضور .. حتى التفتت ام سعيد لريم : وانتي يا بنتي متى بتفرحيني بولد اشوفه قبل ما الله ياخذ امانته .
فاطمة : الله يطول بعمرج ..
لم تعرف بما تجيب وبعد صمت ثواني : متى ما الله راد يا خالتي – وقفت – سمحلي بروح اصلي العصر .
التفتت ميثة لام سعيد وعاتبتها على احراجها لريم بهذا الشكل .. ليبدأ موال ليس بالقديم ولا بالجديد على لسان ام سعيد .. وهو ان لم تاتي له بالابناء فمن حقه ان يتزوج غيرها حتى وان كانت ابنة عمه . بعد ان انصرفت ريم من المكان .. توجهت الى جناحها الذي تفوح منه رائحة السجائر .. لم تلتفت له وهو جالس يأكل من بذور تبّاع الشمس ويدخن " مالبورو " .. توضأت وغادرت الى غرفتها .. فرشت سجادتها وبعدت عن عالمها بين يدي ربها .. بعدها جلست رافعة كفيها .. دعت من كل قلبها .. وتركت دموعها تغسل معاناتها بين يدي خالق الخلق .. وهي على حالها من الدعاء والتضرع اذا بهاتفها يرن بنغمة انشودة " دموع الرحيل " كانت تتردد في المكان
انا دموعي تبي ترحل وتتركني بلا خلان ..بتتركني اعاني الجرح واعاني الصمت والخذلان
تخليني اعيش الوقت مع الحسرة مع الحرمان ..تعبت امثل الضحكة واعيش الوقت بالنسيان
طوت
سجادتها ووضعتها على السرير واخذت هاتفها وجلست .. كانت صديقتها سناء ..
الصديقة الوحيدة التي ترتاح معها وتحكي لها معاناتها .. كانت تستمع لها
وتهون عليها .. وهي على حالها اذا بيده تخطف الهاتف من يدها .. اخذ يردد
الو .. الو ..لكن ما كان من سناء الا ان اغلقت الخط في وجهه لينقض بالشتائم
والاهانات على ريم .. التي بدورها اخذت تُقسم له انها صديقتها : حرام عليك اللي تسويه في .. ما مصدقني شوف اخر مكالمة وصلتني .. واتصل وشوف منو بيرد عليك ..
بالفعل قام بالاتصال لترد عليه .. ودون ان يجيب اغلق الخط ورمى الهاتف على ريم : هالمرة سلمتي مني .. بس والله ان لقيتج تكلمين الزفت عبوود ما بيصير فيج طيب .. فاهمه
دفعها بقوة من كتفها وغادر المكان .. تتمنى ان تنتهي معاناتها في القريب العاجل .. تتألم بصمت .. رن هاتفها من جديد .. ردت وهي تغالب دموعها .. ليأتيها صوت سناء وقد تملكها الغيض : الغبي هذا شو فيه .. والله لو منج ما اسكتله .. يشك فيج وانتي بنت عمه ..
كانت تهيل الكلمات الغاضبة في مسامع ريم التي كانت شهقاتها تمنعها من الكلام .. وكلام سناء يزيدها تعب فوق تعبها لم تجد بد من ان تطلب منها ان تغلق الهاتف لانها تريد ان تكون بمفردها .. اغلقت الهاتف وقامت بكسل لتنظف ما خلفه من قشور تبّاع الشمس .. كانت تنظف ودموعها لا تهدء .. وفجأة صرخت ورمت كل شيء من يدها : آآآآآه .. متى ارتاح من هالهم .. متى .
ثواني واذا بفاطمة تقتجم المكان جلست بجانبها والخوف يسيطر عليها : كنت خاطفة من يم جناحكم وسمعتج تصرخين .. شو فيج يا ريم .؟.
ما زالت منكبة ودموعها تسقط مبللة قبضتا كفيها على الارض : قولي شو ما في يا فاطمة .. تعبت والله العظيم تعبت ..
احتظنتها فاطمة التي لا تعلم بما تخبأه ريم في خلدها .. مع انها تدرك ان سعيد ليس بذلك الرجل القادر على اسعاد امرأة فكيف اذا كانت هذه المرأة من اختارها عبد الله قبله .. امور لا تعلم بها ريم حتى هذه الساعة .. حتى انها لا تعلم سبب مطاردة عبد الله لها .. حتى اضحت لا تغادر جناحها الا نادرا .. ومكانها المفضل حيث الارجوحة قاطعته دون رجعة ..
,‘،
قام
مبكرا هذا اليوم كما اليومان الماضيان .. ارتدى بنطلون جينز ازرق وبلوزة
قطنية مرتفعة الياقة ذات لون كحلي .. سحب معطفه الجلدي من على السرير
ورماه على ذراعه .. نظر الى المرآة مرة أخيره مسح على شعره الذي حلقه
بالامس حتى اصبح قصيرا جدا .. غادر غرفته بشخصيته التي لفتت العاملين في
الفندق بتغيرها .. وقف عند بوابة الفندق بانتظار سيارته .. بعدها ركبها
وانطلق.. القى التحية على حارس البوابة مع ابتسامة خفيفة .. كانت لكنته لا
توحي بانه عربي لانها متقنة جدا .. صعد مباشرة الى اعلى طابق في شركة "J.F.R"
للمواد الغذائية والمرطبات حيث يكون مكتبه .. قامت واقفة بجسدها الطويل
الممشوق وشعرها الاصفر القصير حتى الكتف .. رحبت به .. وفتحت له باب مكتبه
مع انه لا يحب هذه الحركة منها .. وعنفها عليها مرارا .. ولكن احتراما له
كونه رئيسها لم تعطي لكلامه بالاً .. نزع معطفه والبسه لكرسيه المرتفع
الظهر وجلس .. وضعت امامه البريد اليومي .. طلب منها ان تحضر له قهوة تركية
.. وان تنبه على رؤساء الاقسام بشأن الاجتماع بعد ساعة من الآن ..انصرفت
من المكتب لتلبي له ما اراد .. مرت الدقائق واذا برائحة القهوة تداعب
شعيرات انفه وتحيل انفاسه الى سيمفونية تتلذذ بذرات الهواء المعانقة
للبخار المهاجر من ذلك الكوب .. اخذ الكوب وقام واقفا حيث النافذة المطلة
على حديقة صغيرة خضراء تجمع فيها بعض الصبية الصغار يتقاذفون الكره فيما
بينهم .. احتظن الكوب الحار بكفيه وارتشف منه رشفة وعاد بذاكرته للوراء
اربعة ايام خلت .
كان مستلقينا بشكل اعتراضيا على سريره بعد مهاتفته لوالدته والخبر الذي زفته إليه بشأن ميعاد ابنة خالته .. نام بدون شعور ولم يوقظه الا رنين الهاتف في وقت مبكر جدا من صباح ذلك اليوم ..قرابة الثانية عشر والثلث صباحا بتوقيت لوس انجلوس ..قام مفزوعا يكتنفه البرد بسبب نومته الغير مريحة .. اخذ يبحث عن هاتفه ويتحسس السرير حيث كان يسمع رنينه .. امسكه وبعيون شبه نائمة نظر الى شاشته .." النسيب يتصل بك " ارتاع ونظر الى الساعة مما زاد خوفه الوقت للاتصال .. رد وبالفعل احساسه في مكانه : اسمعني يا فيصل .. من باكر لازم تروح تشوف المشكله اللي بفرع شركتنا .. في مصيبه عودة .. يتنا اخبار ان في تلاعب في الحسابات وفي العقود اللي تم توقيعها الشهر اللي راح .. ابوك ما بغى يعلمك لانه ما يريد يقحمك فالشغل بهالشكل .. الووو .. انت وياي .
حك شعره في محاولة لاستيعاب ما يتفوه به سيف : انت شو يالس تقول ..
تحوقل واجاب : يا فيصل .. اريدك تروح تجابل الشغل .. والا ترانا بنخسر خساير الله اعلم وين بتوصلنا .. وابوك ساكت لانه ما يريد يجبرك ع شيء .. وانت ولا همك ..
عاد الى واقعه على صوت طلال الذي اقتحم المكتب وهو في قمة غضبه بسبب اهمال فيصل له طوال الايام الثلاثة التي مضت .. ابتسم وهو ينظر اليه : ما يليق عليك التمثيل يا طلول .
نفض رأسه استنكارا من كلام فيصل .. ثم جلس بعنف على الاريكة ماداً ذراعه على ظهرها : اطلبلي شيء يروقني .. ترا والله واصل حدي .. والحين يالس ترمسني بكلام مخبق( غير مفهوم ) .
جوان : لم استطع ان امنعه استاذ فيصل ..
اشر لها ان تنصرف بعد ان طلب منها ان تحضر لطلال ما يهدي اعصابه .. صرخ قبل ان تخرج : ويسكي لو سمحتي
.
عقد
حاجبيه وقال : احضري له فنجان شاي بالنعناع – اقترب منه بغيض – انت رجعت
لسوالفك القديمة .. كلها كم يوم تركتك بروحك . وبعدين شو سالفة هالتمثيليه
اللي مسوينها علي انت واخوك سيف .. وابويه يدري والا ..
اعتدل في جلسته : منو قالك تمثيلية .. سالت سيف وقالي في تلاعب هني .. وحلف لي ان هالشيء صدج
ابتسم : ما في شيء يا طلال .. ثلاث ايام وانا اراجع كل شيء .. ومن اجتماع لجتماع .. السالفة مدبرة عشان اشتغل .. صح او لا ؟
قام واقفا واعطى فيصل ظهره : انت ذكي .. وانا وسيف نجحنا بالخطة .. والدليل انك تغيرت 180 درجة كله عشان خوفك ع ابوك .. انا وسيف دبرنا وابوك يعرف بكل شيء .. وانا ادري انك كنت تريد هالشيء بس مب عارف كيف تبدا .. سهلنا لك الطريق .. وانت عليك الباقي . تشاو .
,‘،
بذكاءه
اكتشف الخطة التي اوقعوه فيها .. لم يكن هذا الذكاء بعيدا عن الحديث
الدائر بين سيف وعمه سالم .. بث بخوفه لسيف من جراء الخدعة التي قاموا بها
.. ومع هذا كان الاطمئنان ذا النصيب الاوفر من الموضوع .. وفجأة اخذ الحديث
منحى اخر حين سأل سالم سيف عن سبب بقاء رشا كل هذه المدة في منزله ..
ليجيبه بكل ثقة : ما في شيء يا عمي .. كل الموضوع
اني هالايام مشغول وكل وقتي برع البيت مثل ما انت شايف .. ورشا احسن لها
تتسلى وييا خواتها بدال يلستها فالبيت بروحها .
قام واقفا : اليوم انت معزوم ع العشا عندنا .. ولا اريد اي اعذار .. انا بطلع لاني حاس بتعب شوي وبروح اريح فالبيت .. دير بالك ع الشغل .
زفر وقال في نفسه : الله يسامحج يا رشا .. رغم حبي لج مب قادر انسى الكلام اللي سمعته .. وفوق هذا استويت كذاب .. استغفر الله العظيم ..
اما هناك حيث السقيع الذي بات يحيط بها .. جلست وبيدها هاتفها تقلب في صندوق الوارد .. تقرأ الرسالة تلو الرسالة .. تتذكر حبه لها .. ويحزنها انها هانت عليه يهجرها كل هذه المدة ولا يسأل فيها .. عالمها الذي تقوقعت فيه كان بعيدا عن عالم اختيها جواهر ورنيم .. اللتان يتكلمان في آخر صيحات الموضة .. وعن السفر .. وعن الكثير الكثير .. احاديث فارغة كما تسميها جود ابنة الرابعة عشر ربيعا .. صعدت الدرجات بجسمها النحيل الاقرب لهيكل عظمي يرتدي شورت من الجينز الاسود .. وتي شيرت ابيض برسومات غريبة على الصدر .. دنت من الصالة حيث اخواتها .. وكانت ستمضي في حال سبيلها إلى غرفتها لولا مناداة رنيم لها .. وقفت واستدارت حيث هن .. واقتربت رويدا .. وسألت دون رغبة : What ؟
وهي تنظر الى طلاء اظافرها المتدرج بالاسود والبنفسجي : ليش ما تشاركينا ؟ والا احنا مب قد مقام الدكتورة جود ؟
ضيقت حدقتا عينيها .. وزمت شفتيها : يوم يكون كلامج يدل على ان فراسج عقل ممكن الواحد ييلس ويسمع .. ساعتها بشاركج .
اغتاضت .. وزفرت .. وبعدها امطرت جود بوابل من الشتائم البعيدة كل البعد عن مستواهم الاجتماعي .. وجود تنظر لها دون حراك .. بل انها ربعت ذراعيها ووقفت وقفة عدم اكتراث .. قالت بعد ان هدأت قليلا .. والغيض ما زال يتربص بها جراء هدوء جود : انتي بتشوفين عمرج علينا .. من ورا الشهايد اللي تاخذيهن من الانترنت .. شوفي شكلج كيف صاير .. شوفي عيونج يا كونان .
كان تعليقا سخيفا كما تطلق عليه جود .. وهو بسبب النظارة الطبية التي ترتديها .. قالت وهي تحك جانب انفها بسببتها اليمنى : غيرانه لانج ما حصلتي الا الثانويه . وانا للحين عندي شهادتين .. وقريب باخذ الثالثة .
صرخت وهي في قمة غضبها : سكتوهاااااااااااا .. والا ترا برتكب فيها جريمة .
تنهدت جواهر : الموال المعتاد .. يعني انتي عارفتنها وفوق هذا تنادينها .. تحملي – التفت لرشا – هييه وين وصلتي يا ليلى ..
جاءت ميره على صراخ رنيم الذي هز ارجاء القصر كالعادة : الواحد اييب عيال يريحونه .. وانا يايبه بلاوي . حشا مب بنات .. كل يوم ع هالصريخ والمضارب .. وبعدين من وين تيبين هالكلام .. حشا ما احيد حد منا كان يرمس بهالطريقة
جود : قل لي من ترافق اقل لك من أنت .
هذا هو الحديث المعتاد بين رنيم ابنة التاسعة عشر واختها جود .. رنيم ليست بتلك الفتاة الطموحة انهت الثانوية بنسبة قليلة جدا وبعدها فضلت عدم المتابعة .. واضحت ترافق الكثير من الفتيات من جميع الطبقات ومن جميع الجنسيات .. بخلاف جود التي من اتمت الحادية عشر وهي تسعى ان تكون مختلفة تمتلك ذكاءً مخيفا برغم صغر سنها .. تدرس عبر الانترنت .. ونالت على شهادة في التجارة الالكترونية من جامعة بارنجتون .. وايضا شهادة في هندسة البرامج من مركز ريتسك .. والان تسعى للحصول على شهادة في الاقتصاد .. وهي تفضل ان تحتفظ بكل هذا بينها وبين عائلتها .. حتى احيانا تنعتها رنيم بالكاذبة .. لانها لا تصدق ما يقال عن تلك الشهادات ..
هدء المكان بعد ان زفت ميره لهن خبر قدوم سيف على العشاء هذه الليلة .. كانت هناك لمعة غريبة بانت في عيني رشا .. نظراتها لوالدتها تنشد أمل واضحا .. ذبلت عيونها عندما علمت ان مجيأه لم يكن الا بدعوة من والدها .. عادت الى هاتفها .. في حين وجهت ميرة كلامها لجود طالبة منها ان تكون معهم وتترك الانعزال الذي هي فيه .. هزت رأسها بالايجاب وادبرت الى غرفتها الشبيهة بملعب كرة قدم من اتساعها .. اغلقت الباب المنقوش ووقفت في وسط الغرفة .. رفعت بلوزتها لتخلعها اذا بالباب يفتح .. اكملت خلعها ورمتها على سريرها .. لتبان عظام القفص الصدري وعظمتا الكتفين البارزتان من تحت خيطا " الساتيان" بعدها التفت للباب دون اكتراث .. قفزت على سريرها وامسكت جهاز " الاي باد " .. تقدمت منها : انتي ما تستحين .. عاادي يعني حتى لو الباب مفتوح .. مب ناقص الا تفسخين الباقي .
وهي منشغله بتصفح ما بين يديها : خير يا رنيم .. باقي شيء بعد تبين تقولينه ؟
ابتسمت بمكر وانحنت حتى صار وجهها في وجه جود .. بعدها ابتعدت معتدلة في وقفتها : انتي مصدقه عمرج انج اختنا وبنت سالم الـ... شوفي شكلج .. ما تشبهين اي حد فينا .. كنج من كوكب ثاني ... لا لونج ولا شعرج ولا ويهج اللي تقول وحده طالعه من مقبرة – انحنت وهمست – انتي مب اختنا .
نظرت اليها بعدم اكتراث وهي تعود للاستقامة في وقفتها : ما تعرفين شيء اسمه طفرة في علم الوراثة – وضعت يدها على فاها – اووووووووو نسيت انج فاشله فالدراسة .. سوري .
ارتفعت حرارة جسدها غضبا .. انفاسها تتابع وشفتاها تطلب العتق من قبضة غيضها ..لم تتحمل ابتسامة جود الذابلة في وجهها .. غادرت الغرفة بمشية غاضبة .. لم تنتبه لوالدها الذي ناداها .. وبعدها اطلق قدميه نحو غرفة مدللته الغالية .. ما ان تراء لها حتى نزعت سماعات الاذن التي كانت تصدح في اذنيها باغنية اجنبية صاخبة .. وقامت مهرولة نحوة لتدفع بجسها النحيل جسده حتى وقعت " غترته " .. احتظنته بقوة : I love u dad
ضحك بقوة وهو يشدها اليه : وانا بعد احبج يا عيون داد .
انحنت واخذت غترة والدها وبعدها مشت معه وهي تطوق وسطه بذراعيه .. قال وهو يجلس على السرير : كبرتي .. الحين ما اروم اشلج مثل قبل .
سحبت بلوزتها على السريع ولبستها وبعدها نامت على فخذه واخذت تكلمة بالانجليزية : دادي .. الا تشعر بالخجل لانني مختلفة عنكم ؟
مسح بيده على شعرها البرونزي القصير : رنيم ضايقتج صح ؟
حين لم يأته جوابا منها .. تابع كلامه : انتي بنتي يا جود .. ولا يهمني شكل ولا لون .. وعشان تتاكدين سوينا اختبار DNA وشفتي النتايج بعيونج .. كون لونج شاحب وعيونج غبر .. وشعرج صاير ع اشقر ما معناته انج مب بنتي .. والدكتور قالج انج تعتبرين طفرة جينية ..
دارت برأسها ناظرة الى وجه والدها البشوش والى لحيته البيضاء المختلطة بشعيرات سوداء قليلة : دادي .. جدي لم يتزوج امرأة انجليزية او باكستانية او ايرانيه او ..
قطع كلامها ضحكته التي دوت في المكان فصرخت بدلع وهي تضرب برجلها : دااااااادي .
قامت من حظنه ووقفت امامه ويداها على وسطها : لماذا تضحك ؟
تمالك نفسه : الله يضحك سنج .. ما اذكر يدج تزوج من برع .. الا اذا كان يد يد يد يد يدج العود .. عااد ما ادري عنه
وعاد يضحك .. مما جعلها تضحك معه ..فجأة اسرعت لتفتح جهاز " اللاب توب " وكانها تذكرت شيء ما .. ووسط استغراب والدها .. اخذت تردد : انتظر .. انتظر .. عادت وجلست بجانب والدها والجهاز على فخذيها .. كان ينظر الى ما تفعل وعيناه تتغير نظرتهما .. وحاجباه عانقا بعضهما : كيف دخلتي ع موقع الشركة بكل هالسهولة .
نظرت الى وجهه المشرأب بالغضب : اسفه دادي .. بس كنت اجرب برنامج تجسس ولا حبيت اتطفل ع مواقع ما اعرفها .. بس دادي .. نظام الحماية عندكم ضعيف واايد .. لازم تغيرونه .. ما استغرق مني الاختراق واايد .. اقل من ثلث ساعة ولقيت نفسي اشوف كل شيء .. حتى نظام تنبيه بالاختراق مب موجود . وهذا شيء غلط .
قام على غير ما دخل .. وبكل اهتمام قال لها دون ان ينظر اليها : جود .. بعدي عن هالبرامج ..
قامت ووقفت امامه : دادي .. انا ما اسوي شيء غلط .. كنت اجرب اللي اعرفه وتعلمته ..
وضع كفيه على كتفيها النحيلان ونظر في عينيها بقلق : الطريق هذا ما منه امان .. ما اريدج تسوين هالشيء مرة ثانيه .. اوكي .
ابتسمت على مضمض : اوكي .
حرك يده بعشوائية على شعرها القصير .. ثم غادر وهو يخرج هاتفه من جيبه .. تبعته حتى باب غرفتها ووقفت حين سمعته يقول : سيف ما اريدك تخلي الشركة الا وتيبلي خبر عن تايكو هيروكو .. وتعرف من الشركة معلومات كافية عن برنامج الحماية اللي اشتريناه منها ..
ادركت
حينها انها اشعلت فتيل القلق في قلب والدها .. تحبه وتخاف عليه .. وما
فعلته لم يكن بداعي تجربة كما اسلفت لوالدها .. بل لاسباب اخرى تريد ان
تخبأها في حناياها .. وهي موقنة ان والدها عرف بكل شيء .. ولم تنطلي عليه
تلك الاسباب التي زعمتها .
,‘،
رائحة
العود العربي يعبق بها ذاك الملحق المكون من ثلاث غرف وصالة ومطبخ صغير
..والراحة تسدل نفسها على قلوب ساكنيه .. ولا بأس ببعض من مداعبات القلق
والترقب بين الحين والاخر .. لامست اصابعها النحيله الباب بخفة .. ما لبثت
ان عزفت اظافرها نغمة على ظهره الخشن .. ليأتيها صوت اخيها الاجش : حياج ..
دخلت ووسبقتها تلك الرائحة المتصاعدة من المبخرة الخزفية .. اقتربت من عيسى تبخره وهو واقف والابتسامة على محياه .. قربتها من " غترته " الحمراء القطنية لتعانق انسجتها العود العربي الطيب : يعلني ادخنك يوم عرسك .. قول آمين .
قهقه ونظر اليها : آآمين .. عسى ربي ما يحرمني منج ..
وضعت المبخرة من يدها على " التسريحة " واخذت تتأمله وهي شبه جالسة ويداها ممسكتان بحواف التسريحة .. بعد ان انتهى سألها رأيها فأجابت : عرييييييس ما شاء الله عليك .. الله يحفظك من عيون الحساد .
وهو مدبرا ليغادر والابتسامة تعلوه : يقولون القرد فعين امه غزال ..
تبعته وهي تنهره .. وبعد أن غادر المنزل متوجها لمصلى الجمعة في منطقتهم .. اقفلت عائدة إلى غرفة ايمان .. اخذت توقضها دون هوادة .. والاخرى بضجر اخذت تتقلب في فراشها : حرام عليج خوالي .. ما رقدت الا الفير .. خليني ارقد ..
سحبت اللحاف لتظهر ساقاها بعد ان ارتفع ثوب النوم ليعانق ركبتيها او اعلى قليلا عن ركبتيها : اووووه يعني لازم الفضايح
ضحكت خولة وهي ترقب ايمان التي بدأت تسحب ثوبها للاسفل لتغطي ما ظهر من جسدها : قومي عن الكسل .. تسبحي وبتتنشطين .. ولا تنسين تقرين سورة الكهف ..
دون سابق انذار قالت : ما صار شيء ؟
ابتسمت على مضض وجلست على حافة السرير : لا ما صار شيء للحين ..
رفعت ايمان كفيها ومن قلب : الله ياخذه ويفكنا منه ..
ضربتها اختها على فخذها .. حتى صرخت واخذت تتحسس مكان الضربة : لا تدعين ع الناس مب زين .. ولا تنسين ان اليوم جمعه محد يدري متى بتكون الدعوة مستجابه .
بضجر : مادري وين بتوصلج طيبتج .. والله اني ادعيلج فكل صلاة انه يبتعد عنج – باهتمام تابعت – اذا تقدم ..
قبل ان تكمل قالت خولة بصوت هاديء اقرب اللي الهمس : قال تعالى :" وعسى أن تكرهوا شيء وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيء وهو شر له "
صدّقت وصدّقت معها ايمان ثم اردفت : ايمان احنا البشر ناخذ بالشين والزين بحسب معرفتنا بالشخص .. مرات نحب انسان ونتغاضى عن اي عيوب فيه .. بس لان نحن نحبه .. والانسان اللي نكرهه ما نشوف الا الشيء اللي يزيد كرهنا فيه اكثر .. لو نشوف هالانسان من زايا ثانيه ونتقرب منه صدقيني يمكن تتغير فكرتنا بالمرة .. واحنا للحين كل اللي سمعناه عن جاسم كلام .. والناس ما تشبع من الكلام والبهارات الزايدة عليه .
قامت بتأفف : خليني اقوم احسنلي .. انتي عنيدة .. وباين انج بتوافقين .. رضينا او انرضينا .. والله يكون فعونج .. بس لا تنسين ان ما في دخان بدون نار يالفيلسوفه
سحبت المخدة .. ورمتها على ايمان : اوكي يالدحيحة ..
,‘،
بعكس الراحة التي سيطرت على منزل عيسى .. سيطر عدم الارتياح على جاسم حين اخبروه ان والده ينتظره في الاسفل .. لا بأس في التأخر نصف ساعة عليه .. كان هكذا يحدث نفسه .. ونيته اغاضة والده .. كان هناك ينتظر بتوتر .. مرت عليه اكثر من نصف ساعة .. كان يضرب بقدمه على الارض في توتر واضح .. ويحاول في نفس الوقت ان يجد بداية جيدة للحديث مع ابنه .. واذا لم يكن التهديد قد اتى ثماره فلعل الهدوء والطيبة تأتي بالثمار إليه دون جهد .. نزل السلالم بنظارته السودا ذات الماركة العالمية .. وابتسامته الدالة على سخرية من نوع ما .. جلس بكل هدوء حتى دون ان يلقي التحية .. تمالك عبد العزيز اعصابه رغما عنه .. شبك يديه بين رجليه وانحنى قليلا .. وباهتمام زائف : في شيء ؟.. مب معقولة تزورني يوم الجمعة .. اخواني فيهم شيء ؟
بعكس الراحة التي سيطرت على منزل عيسى .. سيطر عدم الارتياح على جاسم حين اخبروه ان والده ينتظره في الاسفل .. لا بأس في التأخر نصف ساعة عليه .. كان هكذا يحدث نفسه .. ونيته اغاضة والده .. كان هناك ينتظر بتوتر .. مرت عليه اكثر من نصف ساعة .. كان يضرب بقدمه على الارض في توتر واضح .. ويحاول في نفس الوقت ان يجد بداية جيدة للحديث مع ابنه .. واذا لم يكن التهديد قد اتى ثماره فلعل الهدوء والطيبة تأتي بالثمار إليه دون جهد .. نزل السلالم بنظارته السودا ذات الماركة العالمية .. وابتسامته الدالة على سخرية من نوع ما .. جلس بكل هدوء حتى دون ان يلقي التحية .. تمالك عبد العزيز اعصابه رغما عنه .. شبك يديه بين رجليه وانحنى قليلا .. وباهتمام زائف : في شيء ؟.. مب معقولة تزورني يوم الجمعة .. اخواني فيهم شيء ؟
نفض رأسه وكأنه يحاول ابعاد الانفعال عنه .. جلس باهتمام بجلسة شبيهة لجلسة جاسم : ما رحت تصلي مثل كل مرة ..
جاسم : يعني تريد تفهمني الحين انك ياي تنصحني .. انصح نفسك بالاول ... هات اللي عندك يا عبد العزيز .
لا داعي للانفعال .. سادعه على راحته حتى لو كان كلامه يقلل من احترامي .. كان هذا حديث نفسه التي تطمح لتحقيق شيء ما .. كان جاسم يرقبه من خلف زجاج نظارته الداكن .. وكأنه يقرأ افكاره .. لم يطل انتظاره ليعرف ما تحت رأس والده او كما يناديه هو بـ عبد العزيز : جاسم .. وين امك ؟
لم
يرد عليه واكتفى بتغيير جلسته ثانيا ساقه بزاوية قائمة على ساقه الاخرى ..
واسند ظهره على الكرسي الوثير .. عندما رأى ذلك منه .. وانه لن يجيب على
سؤاله .. اردف قائلا : اسمعني يا جاسم .. هذي امك .. وصارلها اكثر من 3
سنين ما ندري عنها شيء .. ميته او حيه .. قولي وين هي وانا بروحلها بنفسي
..
عاد لجلسته السابقة : انت طلقتها .. ولا لك خص فيها يا عبد العزيز .. ومليون مرة قلتلك ما يخصك .
ثار الدم في عروقه .. لم يستطع ان يسيطر على هدوءه اكثر .. فانفجر واقفا : تراك زدتها يا جويسم .. هذي امك مب اي وحده ثانية .
وقف ورص على اسنانه : لا تقول امي – زادت حدة صوته – استاذة التربية واللي تناشد بضرورة تربية الام لابنائها .. كانت ام فاشله ..
صرخ الاخر : يعني بتقولي الحين ان بخيته هي امك .
اشر بسبابته لوجه والده : اسمع .. لا تييب اسم امي بخيته ع السانك .. وبقولها لك من الحين .. هيه نعم بخيته امي – انزل يده – مب طليقتك تقول ان الام هي اللي تربي .. يعني بخيته امي بشهادة استاذة التربية سلامه محمد .
,‘،
كله منج
.. صرخة اطلقتها رشا في وجه جود بعد ان اُلغيت دعوة العشاء .. انفردت
بنفسها في غرفتها وهي تبكي .. اشتاقت إليه .. ترغب بالنظر في عينيه ..
والاستماع لكلماته .. تريده معها .. وتحتاج لحظنه ليلا .. همت لتهاتفه
ولكنها تراجعت ؛ فالظرف لا يسمح لذلك .. والدها منفعل بقوة في مكتبه الكائن
في الطابق الارضي للقصر .. ووالدتها هناك معه تحاول أن تهدأه .. ولكن كيف
له أن يهدأ مع ذاك الكم من المكالمات بفروع شركاته .. الجو وكأن به مس من
شحنات سالبة سيطرت على ساكني ذاك القصر الكبير .. جواهر ابتعدت عنهم هي
الاخرى وآثرت الجلوس في غرفتها بين كتبها لعلها تستطيع ان تنقذ ما تبقى لها
من مواد .. قبل السقوط في بحر الفشل كما اختها رنيم .. تلك الفتاة
الطائشة الغير آبهة بما يحدث .. تتجول في الحديقة الشاسعة وهاتفها على
أذنها .. وضحكاتها تتغلغل في مسامع حراس القصر وبعض العاملين المشغولين في
ترتيب الحديقة ونباتاتها .. اما جود التي اشعلت الفتيل فلاذت بالصمت هناك
بجانب مكتب والدها من الخارج .. جلست القرفصاء كطفلة ضائعة خائفة تترقب
القادم المجهول .. كانت تسمعه ثائرا في كلماته .. يعنف هذا ويطلب من الاخر
البحث .. قامت واقفة وهي ترى سيف يقتحم المكان بقوة بعد أن فُتح له الباب
.. ومباشرة دون ان يلتفت لها دخل تاركا الباب مفتوحا لتطل بخوف برأسها
تستمع للحديث الدائر .. وترى والدتها الجالسة بركن المكتب والخوف يغطيها ..
كان الحديث يدور عن مشاريع تم التوقيع عليها .. والخوف من السقوط بعد
الصعود الى القمة ..ضرب بقبضته بقوة على سطح الطاولة الفاخرة : الله ياخذه .. يعني ما كان من الشركة المصنعة للبرنامج .
هز
سيف رأسه بلا : ما كان من موظفيهم .. اربع ساعات وانا اكلمهم احاول اعرف
منو تايكو هيروكو .. بس ما عرفت .. واكدولي ان ما في احد من موظفينهم
بهالاسم ..
جلس محاولا ان يضبط اعصابه : المهم .. المشاريع اللي وقعناها هني وبرع .. ما فيها شيء غلط ..
تكلم سيف وبكل هدوء واريحية : لا .. ما في أي شيء .. كل المشاريع اللي وقعناها ونفذناها سليمة ..
اسقط رأسه على المقعد الجلدي وكأنه يسقط وساوس اجتاحته طوال فترة الظهيرة : الحمد لله .. اللهم لك الحمد .
ابتسمت بأبتسامتها الواسعة ليبان ذلك السلك المعقود على اسنانها .. ولكن فجأة عاد ذلك الاحساس بالخوف حين رن هاتف سيف بتلك النغمة المتحدثة عن عشق وحب .. وكأنها خرجت في وقت غير وقتها .. اغلق الاتصال بتوتر .. وما لبث حتى رن من جديد بنغمة رسمية لتخلع الامان من قلب ابو فيصل وتقف ميرة متطلعة بخوف لوجه سيف الممسك بهاتفه : منو ؟
ابتسم وهو يضعه على اذنه ورد على عمته : فيصل ..
ما ان سمع صوت فيصل حتى اختفت تلك الابتسامة خلف عقدة الحاجبين القلقة : فيصل شو صاير ..
هب ابو فيصل واقفا .. وهجم الخوف دون رحمة على قلب ميرة .. اما جود فعادت لتجلس القرفصاء حاظنة ركبتيها .. هناك كان يحمل حقيبته على كتفه ويمشي بعُجالة على ارض مطار لوس انجلوس وبيده جوازه الدبلوماسي لينهي معاملاته بسرعة ، والهاتف على اذنه وبعصبية مختلطة بخوف : اسمعني يا سيف .. انا الحين فالمطار ورايح للكويت .. مصيبة عودة بتستوي اذا ما لحقت عليهم .. لا تقاطعني وانا اعلمك بكل شيء – سكت وهو ينهي اخر معاملة ليصعد الى الطائرة – التلاعب اللي كلمتني عنه مب ففرعنا اللي فلوس انجلوس .. التلاعب ففرع شركتنا للمقاولات والاستثمار اللي بالكويت .. التلاعب بعقود توقعت من اربع او ثلاث اشهر .. واذا ما وقفت التنفيذ فيها بنخسر خساير يمكن توصلنا لمكان ما نتمناه .
سيف : بس حتى اذا وقفتهن بنخسر ..
كانت تلك الجملة كفيلة لتهز كيان سالم ويسحب الهاتف من سيف : فيصل شو صاير ..
لم يعلم ان سيف هناك حيث والده .. وما هو فيه انساه ان يسال : ابويه .. انا رايح الكويت اوقف التنفيذ فالمشاريع اللي وافقنا عليها فالاربع اشهر اللي راحت .. لان في تلاعب على نطاق واسع ..
سالم : بس بنخسر اذا تراجعنا .. والا نسيت شروط العقود ..
رد بعد ان تنهد وكأنه يريد أن يسحب الخوف الذي استشعره في صوت والده : بنخسر بس مب بكبر الخسارة اذا تنفذت المشاريع وفشلت بنص الطريق .. الخسارة بتكون اهون وبنقدر عليها .. لا تحاتي يا بو فيصل .. وراك ريال يعرف يتصرف .. واول ما اوصل الكويت بخلص كل شيء ..
انكبت باكية على سريرها الوثير .. وصرخت : حتي يوم الجمعة شغل .. وبعد تسكر الخط فويهي يا سيف .. لهالدرجة وصلت فيك ..
كل واحدة فيهن تفكر في نفسها فقط بخلاف تلك المختلفة عنهن شكلا .. وايضا مختلفة عنهن ضمنا .. انسحبت من المكان الذي كانت فيه بعد أن ارتاح الجميع من جراء اتصال فيصل .. وكأنه كان المنقذ من تلك الوساوس التي اجتاحتهم .. والمفرغ لتلك الشحنات السالبة التي سيطرت على الاجواء ..صعدت السلالم براحة شبه تامة .. فهناك بين اضلعها طبول تقرع بخفة .. تحاول ان تسكتها ولكن دون جدوى .. ارتمت على سريرها بقوة .. ودفنت رأسها في وساداته لعلها تجد السلام .. لا يهمها الوقت حتى وان كان مبكرا على النوم .. فيكفي ذاك القلق الذي سيطر عليها ان يحيل جسدها الى آهات تطلب الراحة وتستجدي الهدوء .
,‘،
ذاك الهدوء الذي كانت تنشده روضة وهي تعيد القراءة في ذاك المقال الذي زلزل كيانها واسقط دمعتها
نحن
أمة عربية اتسمت منذ الازل بالحشمة وبالحياء .. فكيف اذا نحن الآن أمة
عربية ومسلمة ! .. بالأمس كان هناك ما جعلني اتوقف واسأل نفسي مرارا
وتكرارا .. اذا كنا هكذا فكيف نطلب الحياء في تصرفات بناتنا ؟
ما
كان بالامس هو ما كانت علية زوجتي وهي تصرخ قائلة " ما يستحون " كلمة
قالتها بغضب لانها لم تستطع شراء ما تريده من ملابس نسائية " خاصة " ..
والسبب هو البائع الرجل .. فكيف نطالب من بناتنا ان يسترن انفسهن .. وهناك
عبر تلك المحلات ما يثير الغرائز لديهن ولدى غيرهن من المارة .. ملابس
خليعة تعرض على واجهات المحلات .. وصور نساء تظهر أكثر مما تخفي بداعي
الاعلانات .. أية اعلانات هذه .. التي تجعل المرأة جسدا يداس من اجل
المكاسب المادية .. عذرا يا بنات امتى ويا نساءها فأنتن اشرف مما يفعلون
.....
مسحت
دموعها بسرعة وهي تصرخ على ذاك الطارق الذي يطرق باب غرفتها في هذا الوقت
من المساء .. ليس موعد العشاء فالوقت مبكر لذلك .. وحتى وان كان وقت العشاء
فهي لا ترغب بشيء .. صرخت بصوت يشوبه انفعال خفيف : منو ؟
انا امج .. ليش قافلة الباب ؟
.. كان هذا صوت والدتها الواقفة عند الباب .. فتحته لتدخل والدتها .. وعلى
غير عادتها امسكت بيد ابنتها واجلستها على السرير بجانبها .. كانت تتكلم
في امور استغربتها روضة .. مع بعض النصائح التي افزعت قلبها ليقرع نواقيس
ذات صوت غريب بين اضلعها .. لم يكتنفها الحياء عندما القت والدتها على
مسامعها ان ذياب ابن عمها تقدم طالبا يدها .. بل جحظت عيناها .. وارتخت
شفتها السفلة وكأنها تريد ان تفتح المجال لانفاسها المتضاربة ان تخرج من
فمها ..
وقفت ام احمد ولا تزال ممسكة بيد ابنتها : فكري يا بنتي .. وترا ذياب ما ينعاب .. ريال والنعم فيه .. وصلي استخارة بعد عشان ترتاحين اكثر .
غادرت
الغرفة التي اصبحت كالثلاجة بالنسبة لروضة .. التفتت حيث يقبع ذاك المقال
على شاشة جهازها .. وما هي الا لحظات حتى دخلت سارة وجلست بعنف على السرير
واهتزت روضة جراء ذلك .. قالت بفرح : اكييد امي يت
تقولج عن ذياب .. انا كنت تحت وسالتها شو كانت تريد حرمة عمي منها .. لان
زيارتها ابد مب متوقعة .. وقالتلي انها يايه تطلبج لذيابوه .. واخيرا حد
بيعرس فهالبيت ..
لم تأتها اي اجابة منها .. سوى دموعها التي سكبتها بهدوء .. بخوف : رواضي شو فيج ؟
ازدرت ريقها .. ومسحت دموعها في محاولة يائسة لايقافها : ما اريد يصير في مثل ما صار فهاجر .. يقولون ان الافعال ترجع .. يعني فعل احمد يمكن يرجع في ..
باستياء قالت وهي تمسك كفي روضة : انتي شو تقولين .. انخبلتي .. او ينيتي .. وبعدين احمد اكيد عنده اسباب قوية للي سواه .. واذا ما تبين ذياب لا تتحججين باحمد وهاجر .. واحسنلج توافقين لانج ما بتلقين حد مثل ذياب ولد عمي .. طيب وحنون .. صح ان ما فيه وسامه .. بس والله قلبه وطيبته يغطن ع كل شيء فيه
على مضض ومن بين انفاسها الباكية : بس .. بس .. انا احب .
صرخت دون وعي : شو ؟
امسكت كتفي روضة تهزها وتسالها : انتي شو تقولين ؟ شو هالكلام .. ومنو هذا اللي تحبينه تكلمي ..
نظرت بانكسار لاختها .. ولكنها لم تستطع النطق باي كلمة .. وآثرت ان تنظر الى جهازها .. لتعرف سارة جواب اسئلتها .. وقفت غاضبة وهي تمد ذراعها مؤشرة بسبابتها للجهاز : من صدقج تحبينه ..
جلست بعنف وباهتمام اردفت : انتي قريتي اخر مقال له .. الريال معرس .. وشكله شيبه ..
طأطأت راسها : يمكن كله كذب .. في واايدين يكتبون بعيد عن حياتهم بس عشان ينشهرون .. وانا احبه حتى لو كان مــ...
قاطعتها وهي تدفعها بيدها من كتفها الايسر : مينوونه
انتي . . انتي ما تحبينه .. انتي تحبين شعاراته وكتاباته .. شيء يمكن هو
بنفسه ما يطبقه بحياته .. مدعي المثالية والخوف ع المجتمع وتلقينه واحد من
اللي يالس يقول فيهم كل هالكلام ..
عندما رأت بكاء روضة الذي زاد .. هدأت من نفسها واردفت بلطف وهي تضع يدها على كتف اختها وتقترب منها بجذعها : حبيبتي رواضي .. انتي بروحج قلتي يمكن يكون كذب .. يعني الحين انتي ما حبيتيه هو .. كل اللي سويتيه انج حبيتي كلامه لا غير .. تخيلي مثلا تطلع بنت .. او يطلع واحد اكبر عن ابوج .. او واو .. حبيبتي اللي انتي فيه اعجاب لا غير – قامت واقفة – فكري بموضوع ذياب وخلييج من المغترب .. والاحسن تقومين تصلين لج ركعتين وتدعين ربج يساعدج .
غادرت
وهي تقول في نفسها : انتي بروحج تحملين شعارات كاذبه .. تدعين المثالية
.. شو فرقتي عن المغترب .. حتي يمكن المغترب يكون اصدق منج .
ابتسمت
بسخرية على حالها وهي تنزل الدرجات .. ووقفت وهي تنظر لوالدتها الجالسة
وحيدة امام التلفاز .. الحياة ليست كالسابق .. فوالدها ووالدتها لا يزال
بينهم شيء من الغضب .. اقتربت وانحنت تقبل رأس والدتها .. ما لبثت حتى وضعت
رأسها في حجرها .. والاخرى ما كان منها الا ان تمسح على رأس ابنتها وتبتسم
وتسالها عن امتحاناتها ودراستها ..بعدها رفعت كفيها داعية لها بالتوفيق
بقلب ام صادق لا يزال احمد الابن البكر متربع فيه بقوة .
,‘،
,‘،
وحيدا ومنقطعا
عن الجميع .. صار له على هذا الحال سنوات وسنوات .. لا يملأ وحدته الا
لوحاته وفرشاته الملطخة بالالوان .. وصديقه الاسود ذو الاصابع المقلمة بين
الاسود والابيض .. البيانو وموسيقاه التي تحكي مشاعرا في نفسه لا يقوى
على البوح بها لاياً كان .. وهناك شيء آخر له نصيبا من تلك الوحدة
المتوحشة وهو ذاك القلم الذهبي النحيل .. وتلك الاوراق الصماء الا من نقش
جميل على الزاوية السفلى من اليسار .. كل هذا لم يكن معه في وحدته في هذه
الساعة .. لا شيء معه سوى ملعقة بيده ملطخة بحبات الارز والصوص الاحمر ..
اسند ذراعها على الصحن الابيض الذي لم يتحرك ما فيه الا قليلا من جراء لقمة
او اثنتين .. مسح شفتيه بالمنديل ورماه على الطاولة .. قام والافكار لا
زالت تتخبط في رأسه .. رمى بجسده المثقل على ذاك الكرسي .. ونزلت شعيرات
من شعره الطويل الواصل الى كتفه على جبهته .. رفعها بكلتا كفيه ماسحا
بهما شعره .. حتى شبك اصابعه على رأسه واسنده على الكرسي .. اخذ يتذكر
ما دار من حديث بينه وبين والده في عصر هذا اليوم ..
اشر بسبابته لوجه والده : اسمع .. لا تييب اسم امي بخيته ع السانك .. وبقولها لك من الحين .. هيه نعم بخيته امي – انزل يده – مب طليقتك تقول ان الام هي اللي تربي .. يعني بخيته امي بشهادة استاذة التربية سلامه محمد .
بنفس الانفعال رد عليه : وحد يرمي امه فدار المسنين .. غير واحد عاق ..
لاول مرة يشعر بانه لا يستطيع ان يتحكم ببرودة اعصابه : ما العاق الا انت وطليقتك المصون .. لو مب عاقيين ما دمرتوني بهالشكل .. لو مب عاقيين ما دمرتوا اخوي .. ولا كان كل همكم فلوسكم وسمعتكم .. لو انت مب عاق كان ما تباهيت بفلوسك ونسيت اولادك .. ولو هي مب عاقه كان ما لهت ورى ندواتها واجتماعاتها ونست ان فالبيت في حد محتاينها .. وما طلعت امومتها الا فويه اخوي .. وتقولي انا عاق .. انا مب عاق يا عبدالعزيز – وضع قبضة يده على صدره – اللي هني نار عمرك ما بتحسها لا انت ولا سلامة .. لانكم مب اهل .. امي بخيته شلتنا وربتنا كانت تسهر واحنا ننام .. كانت تبرد واحنا ندفى .. كانت لنا الام والحظن والحنان والحب .. ما خليتها فالدار الا لاني اخاف عليها هنا بروحها ..
اشاح بجسمه عن والده .. لم يرغب بان يرى نظرة الانكسار بدمعة قد تسقط سهوا مخترقة عتمة نظارته .. واردف : وبعدين انا ليش يالس اقولك كل هذا .. المهم اخلص يا عبد العزيز وقولي شو تريد مني ..
عبد العزيز : ما بتعرف قيمتنا واللي سويناه الا يوم يكون عندك ولد – بشيء من المكر اكمل – الا ع طاري العيال غريبة ان ولا وحدة من اللي تزوجتهن يابتلك الضنا .. كنت متأمل خير فاخر وحده اللي بقت معك فوق الثمان اشهر .. بس ما تصورت انك تكره هالجنس وفنفس الوقت تزوج .. والغريب بعد انك مسمي شركتك اللي فلندن باسم نسائي .. فيك تناقض غريب يا جويسم .
صدحت ضحكته في ارجاء المكان .. حتى توشح الاستغراب عبد العزيز الذي كان يظن بانه كسر جاسم بكلامه .. التفت له وبعدها جلس مادا كلتا ذراعيه على ظهر ذاك الكرسي .. وساقه تعانق اختها : Rose fashion .. يعني باللا عليك يا عبد العزيز شركة موضة وازياء نسائية .. شو تتوقع يكون اسمها .. ع الاقل هي الانثى الوحيدة اللي فحياتي اللي عمرها ما خذت مني كثر ما عطتني .. حتى لو كانت انثى بالاسم .
عادت ضحكته لتهز المكان وسط انفاس عبد العزيز الثائرة .. ما لبث بعد تلك الضحكة حتى قام واقفا بوجه والده : ع فكرة .. نصيب سلامة صار لي .. يعني لا تفكر انك بتاخذه منها اذا عرفت مكانها .
امسك جاسم من ياقة قميصه القطني : انت شو تقول ؟ .. لا تكذب علي يا جويسم .. تعرف كم نصيب امك من شركتي ؟
فك قبضة والده بهدوء : نصيبها 35% .
نفض رأسه وتمتم : كان المفروض ما اكشف اوراقي له .. هين يا عبد العزيز .. بعرفك منو جاسم اللي عمرك ما حسسته بوجودك ..
وقف متوجها لغرفته الخاصة حيث اصدقائه .. وهو في طريقه امسك هاتفه : الوو .. اسمع اريد رقم موبايل عيسى .. الليلة يكون عندي .
جلس على مكتبه .. وفتح احد ادراجه .. واخرج صندوق خشبي مرصع بالنقوشات الذهبية .. مد يده الى نحره وسحب سلسال تعلق في آخره مفتاح صغير .. فكه من رقبته وفتح ذاك الصندوق .. لتظهر فيه بعض الاوراق المطوية بشكل حلزوني ابعدها بيده ليخرج رقعة من الجلد الملفوفة بشريط انيق اسود مطعم بالخيوط الفضية .. ارتجفت يده وكأنها لا تريد لعيناه ان تريا ما في تلك الرقعة .. بعد ثواني مرة كالعلقم فتحها ابتسم بحزن وهو يمرر نظره على تلك الكلمات :
يا طيب الذكر و يا راهي الذوق
.........................ويا منبع الطيبه واحساس راعيها
يا عذب المعاني وبالمستوى فوق
..........................ويا راقي الطباع ومحدن يجاريها
افعاله الزينة ما تنحصى بوثوق
...........................لا ولا كل الكتب بتروم تحصيها
ان قالوا الخلان تتشابه بها عروق
......................هذا اخوي عروقه لعروقي تواسيها
الابيات لاخوي : ناصر الشامسي.
بعد ما انتهى تحسس باصابع يده ما كتب في آخر تلك الابيات : اللي منك صعب ينحط فورقة عادية .. احبك يا اعز رفيق فدنيتي .
,‘،
غيوم صيفية تنتشر في سماء صباح يوم السبت من ذاك الشهر الحار .. انهت اخر دفتر واجبات .. الطالبات ممتازات ما عدا القليل منهن .. ولكن لا بأس بمستواهن بالنسبة لها .. اغلقت الدفتر الاخير .. واعتقت القلم الاحمر من قبضة اصابعها .. قامت من على مكتبها بشيء من التعب .. وضعت يديها على وسطها ودفعت جسمها للوراء تحاول تنشيط جذعها الذي انهكه الجلوس .. سحبت " شيلتها " الخفيفة الملونة من على السرير .. وتركتها لتعانق رقبتها وتتهادى على صدرها .. اخذت نفسا عميقا وهي تضع يدها على مقبض الباب .. اليوم عليها أن تساعد ريم بما تستطيع .. اليوم يجب أن تحادث عبدالله .. وتحاول اقناعه بنسيانها .. خرجت من غرفتها متوجهة إلى غرفة عبدالله .. طرقت الباب بشيء من التوتر .. بعدها فتحت الباب حين لم يأتها أي جواب .. تجولت بنظرها في انحاء الغرفة الغير مرتبة .. ثوب هنا وآخر هناك .. والحاف قد نام نصفه على الارض .. وعلاقة الملابس تطلب النجدة من الحمل الذي وضع عليها دون اي نظام ..انحنت لتلتقط الثوب عن الارض .. وتابعت مسيرها لتلتقط الاخر .. وهناك يقبع إزار وغترة وعقال قد تدنى من تلك العلاقة .. واذا بها تتجه الى السرير لترتبه .. وهي على حالها اذا باصوات تختلط باصوات السيارات .. تركت ما في يدها وتوجهت لنافذة .. ازاحت الستائر قليلا لتنظر إلى مصدر الصوت .. بدر ومايد هناك ويبدو أن ما بينهما لا يبشر بخير .. كانت تنظر إليهما وتود لو أنها تستطيع ان تلتقط وتعي ما يقولانه .. لكن البعد حال دون ذلك .. يعلو صوتهما ويرجع ليخفت ..
غيوم صيفية تنتشر في سماء صباح يوم السبت من ذاك الشهر الحار .. انهت اخر دفتر واجبات .. الطالبات ممتازات ما عدا القليل منهن .. ولكن لا بأس بمستواهن بالنسبة لها .. اغلقت الدفتر الاخير .. واعتقت القلم الاحمر من قبضة اصابعها .. قامت من على مكتبها بشيء من التعب .. وضعت يديها على وسطها ودفعت جسمها للوراء تحاول تنشيط جذعها الذي انهكه الجلوس .. سحبت " شيلتها " الخفيفة الملونة من على السرير .. وتركتها لتعانق رقبتها وتتهادى على صدرها .. اخذت نفسا عميقا وهي تضع يدها على مقبض الباب .. اليوم عليها أن تساعد ريم بما تستطيع .. اليوم يجب أن تحادث عبدالله .. وتحاول اقناعه بنسيانها .. خرجت من غرفتها متوجهة إلى غرفة عبدالله .. طرقت الباب بشيء من التوتر .. بعدها فتحت الباب حين لم يأتها أي جواب .. تجولت بنظرها في انحاء الغرفة الغير مرتبة .. ثوب هنا وآخر هناك .. والحاف قد نام نصفه على الارض .. وعلاقة الملابس تطلب النجدة من الحمل الذي وضع عليها دون اي نظام ..انحنت لتلتقط الثوب عن الارض .. وتابعت مسيرها لتلتقط الاخر .. وهناك يقبع إزار وغترة وعقال قد تدنى من تلك العلاقة .. واذا بها تتجه الى السرير لترتبه .. وهي على حالها اذا باصوات تختلط باصوات السيارات .. تركت ما في يدها وتوجهت لنافذة .. ازاحت الستائر قليلا لتنظر إلى مصدر الصوت .. بدر ومايد هناك ويبدو أن ما بينهما لا يبشر بخير .. كانت تنظر إليهما وتود لو أنها تستطيع ان تلتقط وتعي ما يقولانه .. لكن البعد حال دون ذلك .. يعلو صوتهما ويرجع ليخفت ..
بدر : اسمعني يا مايد .. خل عليا فحالها والا ما بيصير طيب .
دون
اكتراث : شو بتسوي يعني .. بتشتكين عند امها والا عند ابوي – تقدم خطوتان
للامام – اسمعني يا بدير مب انت اللي اتيي تنصحني فاهم .. وعليا بنت عمتي
وانا احق فيها .
امسكة من ثوبه من عند الصدر : ياللي ما تستحي .. عليا صغيرة .. حرام عليك اللي تسويه فيها .. شوف حالها كيف صار .
رمى بيد بدر بعد ما فك قبضته : بدير خلك بعيد عني .. والا كل السيديهات بتوصل لابوي فاهم .. الحين اقولك خلك بعيد احسنلك ..
حين رأت امساك بدر لمايد بتلك الطريقة .. جرت مسرعة خارجة من غرفة عبدالله .. وهي تنزل الدرجات وضعت " شيلتها " على رأسها .. وخرجت من المنزل ودارت حوله .. كانا بعيدا في تلك الساحة المزروعة باشجار النخيل والمانجو والليمون .. وصلت عندهما وكان بدر يصرخ : يوز عن سوالفك يا مايد ..
اقتحمت عليهما المكان : شو فيكم .
زفر بقوة : ما ناقص بعد غير العانس تدخل فاموري ..
صرخ فيه بدر : احترمها هذي اختك العودة
اووووووووهووووووو
.. هذا آخر ما نطق به قبل ان ينسحب من المكان .. اما فاطمة فطأطأت رأسها
بشيء من الانكسار ..اعتذر منها بدر بخجل .. فالحديث بينها وبين اخوتها
الشباب شبه مقطوع .. رفعت رأسها : شو اللي صاير بينكم ؟
بالتأكيد لم يكن ذلك السؤال الصحيح او بالاصح لم يكن الشخص المطلوب ليجيب على ذاك السؤال بكل سهولة ويسر .. فكيف له ان يفضح نفسه بفضحه لاخيه ابن السابعة عشر .. تلعثم وقال بان سوء فهم بينهما بسبب مبلغ من المال اخذه مايد دون ان ياخذ أذنه .. وغادر بعدها المكان .. وكأنه بذاك الفعل ينهي كل شيء .. تحسرت على حالها . والفجوة التي خلقها والدها بمساعدة امها بينها وبين اخوتها الشباب .. فلا يحق لها ان تأخذ حريتها معهم فهم شباب .. اي اسلوب هذا ؟ وفي اي دستور حرم على البنت ان تتعامل مع اخوتها الشباب بحرية ؟ كانت دائما تردد هذا الشيء .. ولكن هل باستطاعتها بعد كل هذه السنوات ان تقحم نفسها بينهم ؟ حتى وان حاولت فهي ترى نفسها ضعيفة لا تقوى على التقدم .. انسحبت من المكان بعد خلوة مع نفسها دامت دقائق معدودة .. ما نوت عليه لم يتحقق وتسأل نفسها وهي عائدة ادراجها الى غرفتها بخفي حُنين : هل استطيع أن احقق ما اردته ؟
,‘،
الضعف
الذي هي فيه ليس بقدر الضعف الذي يتملك ريم .. التي تحسب حسابات كثيرة
لمن حولها .. والدها .. وعمها .. لا تستطيع ان تتخلص من تلك القبضة
الحديدة لتنجو بنفسها وترمي بالخلاف بين اخوين وعائلتين .. ما رأته بسبب
طلاق احمد لهاجر كفيل ان يدعها تفكر مليون مرة قبل ان تطلب الانفصال ..
كلام ام سعيد الدائم .. ووخزات لسانها حين تلمح للابناء واطفال الاخرين ..
كأبر سامة تخترق جسدها المليء بكدمات العنف النفسي الذي تتعرض له .. وذات
الابر جعلتها اليوم تجمع ما لديها من شجاعة وتكومها في قلبها الراجف
الباحث عن حب حقيقي .. لعلها تجده في جنين تحتويه احشائها اليابسة .. لفت
بعض شعرها الكستنائي القصير بمشبك صغير للوراء .. وتركت الجزء الاخر
منسدلا على ظهرها .. سحبت الهواء من تلك الغرفة لعل الاكسجين القليل فيها
يساعدها على المضي قُدما .. اخذت تتنفس وكأنها أم أتها المخاض على حين غرة
.. اجل ستتمخض نفسها وستلد كلاما جديدا على مسامع سعيد .. الذي خرج من
دورة المياه والمنشفة على رأسه المكسو بشعر خفيف جدا قد بانت قمته من
بينها .. رمى المنشفة على السرير ..وسحب الثوب من يدي ريم الواقفة تلبي له
حاجته .. وقف يرتب "غترته " البيضاء .. ويحاول أن يلفها بأتقان وحرفية
على رأسه .. قالت بشيء من الخوف وهي تقف بجانبه على بعد خطوات قليلة منه :
سعيد ؟
رد دون اهتمام : خير ؟
ازدردت ريقها .. فالكلام صعب كمعركة غير متكافأة وهي فيها الطرف الاضعف .. بصوت خائف ومرتجف .. ومتقطع قالت : ما .. تتمنى .. يكون عندنا عيال ؟
نطقت اخر
ثلاث كلمات بسرعة وكأنها تسابق خوفها حتى لا يلجمها وهي مغمضة العينان ..
وفجأة فتحتهما برعب واضح .. حين شد قبضته على ذراعها .. حتى خيل لها بانه
سيكسرها .. رص على اسنانه وهو ينطق برصاصات تقتلها دون رحمة : كم مرة اقولج انتي هني لتلبية رغبتي وبس .. اما انج تصيرين ام لعيالي فما اتشرف .. ولو عاندتيني بتندمين قد شعر راسج .. فاهمة .
اعتق يدها وادبر خارجا .. تقوست شفتاها .. ونضحت عيناها بالدمع الحار : اندم اكثر من الندم اللي انا فيه .. حرام عليك ياسعيد .. والله حرام ..
,‘،
ندم
آخر يجوب ارجاء حياة هاجر .. نادمة هي لانها تخلت عن حلم حياتها بالدراسة
في الخارج بطلب من احمد .. تشعر بان عمرها ضاع منه سنتان ونيف دون طائل ..
ممسكة بهاتفها ليلامس اذنها بلطف وهي مستلقية على ظهرها .. وساقها تحتظن
الاخرى بحنان : ودووم ( دلع وديمة
) حبيبيتي والله حاسه اني غبية لاني طعته .. تدرين مع كل اللي صار حاسه
ان شيء فداخلي تغير .. شيء انكسر في وما اظن فيوم يرجع .. صرت واايد جافة
مع اهلي .. وبعدت عنهم بعد .. تعرفين احس اني لو شفت عيونهم ونظرتهم لي ما
بتحمل .. صايره جبانه ودووم ..
كانت تنفش شعرها القصير جدا بخصلاتها الذهبية والكستنائية : انزين ليش ما تسافرين هجوور .
سحبت جسمها متكأة وكأن ما تهادى الى مسامعها اثارها : اسافر ؟
وديمة : هيه تسافرين .. كملي الماجستير والدكتوراه برع ..
تنهدت : هذا
اللي افكر فيه .. بس ما ادري اذا بقدر اقنع ابوي وامي بهالشيء .. صعب
عليهم يفارقوني .. هم للحين يشوفوني ضعيفة ما اقدر اتصرف او ادبر عمري ..
وديمة تلك الانسانة القريبة جدا من هاجر .. تستمع لها دون ان تكل او تمل .. تساندها وتدعمها .. معها دائما .. وهاهي تقضي ساعات اخرى معها على الهاتف مع انهما التقتا في الجامعة صباحا .. بعد تلك المكالمة التي من شأنها ان تجعل هاجر تفكر جديا بكل شيء .. وتحاول ان تبني حياتها من جديد حتى وان وصمت بكلمة " مطلقة " .. ابتسمت وهي ترى عدد المتابعين لها يزداد شيئا فشيئا .. ومعظمهم يظنون بانها شاب دون ان يعرفوا ماهية ذاك القب الذي اتخذته لها ستارا في عالم لا يرحم .. كالعادة لا بد لها ان تقرأ آخر ما غُرد به على ذاك الموقع الذي يضم العديد من الاجناس والثقافات .. وفي داخلها احساس لا تعلمه وهي تبحث خلف كل تلك التغريدات .. دون شعور اذا بها تفتح صفحتها وتتجه منها لصفحة المسافر .. شيء ما يجذبها نحوه .. هل هي جرأته وعدم اكتراثه بردودها عليه .. آخر تغريدة له كانت منذ يومان : تغريدة بدون تغريدة
توقفت
عند تلك الجملة .. ماذا يقصد بها .. قادها تفكيرها المشوش الى انها قد
تكون رسالة لها .. لانه نزل عند رغبتها وابتعد .. اذا بها فجأة تنفض
افكارها وتخاطب نفسها : شو فيج يا هاجر .. تعودتي
على الاهتمام ومب قادرة تعيشين بدون ريال فحياتج .. ليش تفكرين بهالطريقة
.. منو المسافر .. غير ريال مثله مثل احمد ومثل غيره من اللي ما يحسبون
حساب لمشاعرنا احنا البنات .. لا تخلين هالمكان يفتح لج ابواب انتي فغنى
عنها .. خلج هاجر بس بدون الضعف اللي كان ..
اغلقت
جهازها .. وقامت لتنزع عنها افكارها الغريبة .. ولترتمي في حظن فراشها ..
وتحلم بغد جديد تكون فيه هاجر التي ترغب فيها ان تكون ..
,‘،
,‘،
الغد
الذي ينتظر خولة كان مغاير لما تطمح به هاجر .. الغد الذي بدأ يزرع بذور
الخوف في قلبها النقي .. بعد ذاك الخبر الذي وصلها من عيسى .. ورغبة جاسم
في ان يكون عقد القران يوم الخميس أي بعد ثلاثة ايام من الليلة .. اللية
التي تبدو طويلة جدا بالنسبة لها .. وهي تتقلب في فراشها .. تحاول ان تظهر
القوة امام اخويها .. وان تشعرهما بان هذا قرارها هي .. لا تريد لهما الحزن
.. ابعدت الحاف بشيء من الملل .. وقامت من فراشها والساعة تقارب الثانية
صباحا .. توجهت لدورة المياه المشتركة خارج غرفتها .. غسلت وجهها بالماء
ونظرت لوجهها في المرآة وقطرات الماء تهرب منه .. ويداها مستمتعتان تحت
الصنبور .. اغلقته وعادت تنظر لوجهها .. وتساءلت .. مالذي اعجب جاسم .. هي
ليست بذاك الجمال ليفكر فيها .. وليست من عائلة معروفة .. سحبت ساقيها
بوهن يسيطر عليها منذ ساعات طوال .. جلست على سريرها محتظنة نفسها وتحرك
كفيها على ذراعيها وكأن هناك برودة غريبة تتسرب لجسدها .. استلقت بعدم
اكتراث على سريرها .. ولا زال عقلها يفكر بالغد .. بالقاء المنتظر الذي
اصرت عليه .. لقاء قد يغير مسار حياتها وحياة عيسى وايمان .. لاول مرة تنام
دون ان تقوم لصلاة الفجر .. قامت مفزوعة ووانفاسها تهرب منها متسارعة ..
استغفرت ربها .. وقامت لتصلي .. بعدها عمدت لهاتفها تطمأن على اختها ..
جاءها صوت اختها فرحا بشيء من القلق : شفتج راقدة وما وعيتج .. سويتلي شاهي وخذتلي صمون .. ووصلني عيسى فطريقه لدوام ..ادعيلي خوالي والله خايفة من هالامتحان ..
امسكت هاتفها بعد انهاء المكالمة .. وتمتمت : لا تخافين .. دامني هني كل شيء بيكون اوكي .. كل شيء بيكون تمام .
نزلت دموعها رغما عنها .. وهي تكرر " كل شيء بيكون تمام " ..
لاول مرة تصبح تلك العقارب سريعة .. الثواني والدقائق في تلك الساعة الحائطية العتيقة لا تريد ان تبطء من سرعتها .. وصوتها لاول مرة يكون مزعجا .. تك تك تك ... وكأنها طبول حرب .. تعلن عن هجوم قادم .. رتبت الصالة الصغيرة فلا يوجد مكان غيرها لتستقبله فيه .. نظرت لتلك الساعة المزعجة .. ولو كان بيدها لاخرستها .. وقفت وفجأة هرولت مسرعة الى ملاذها حين سمعت صوت عيسى يرحب بالضيف القادم .. كل شيء معد في الصالة .. القهوة وحبات التمر وبعض الكعك ووعاء مليء بالمكسرات يقبع وحيدا بعيدا .. والنمارق القليلة مصفوفة بعناية .. دخل بهيبته المعتادة .. جلس متكأ على الوسادة ثانيا ساق ومفترش الاخرى .. تناول حبة تمر وبعدها فنجان قهوة من يد عيسى .. هناك في داخله ورغم هيبته وقسوته الظاهرة يوجد شيء يحرك قلبه بشيء لم يعهده .. هل هو التوتر الذي لم يعرفه يوما .. او هو من طلب خولة والحاحها لتقابله .. هز الفنجان في يده .. دليل على انه لا يريد المزيد .. وقال : ياليت تقول لاختك اني اترياها .. ترا وقتي ثمين .. وعندي اشغال .
مرت الدقائق ثقيلة على الطرفين .. نظر الى ساعته الـ" قوتشي" فالوقت عنده كالسيف .. لا يستطيع ان يضيع شيء منه .. هناك في غرفتها وهي ترتدي عباءتها وتضع " غشوتها " على رأسها دون ان تغطي وجهها ، كانت تقنع عيسى ان يتركها مع جاسم لوحدهما .. وبعد جدال مرير .. ومقدرة منها على الاقناع استسلم لها عيسى .. آملا في نفسه ان يكون تفكيرها هو اقناع جاسم بالتخلي عنها .. وطالبا منها ان تناديه اذا حصل اي شيء ..بقي في غرفتها وخرجت هي بعد ان اسدلت غطاء غشوتها على وجهها .. قام واقفا وهو يرى تلك المتوشحة بالسواد تقف ملقية السلام عليه .. ظل واقفا وهي كذلك ظلت واقفة لبرهة بعدها دعته ليجلس وجلست هي بعيدا عنه في آخر الصالة قريبا من بابها الداخلي المؤدي الى ممر الغرف .. بعد صمت توتر .. وهدوء يبعث في النفس الريبة ، قال : قالي عيسى تبين تشوفيني .. وانا ظنيت انها النظرة الشرعية .. فليش متغطية .
سيطرت على نفسها وطوت خوف نفسها : انت بعد مغطي ويهك .
قهقه بضحكته المعتادة .. بعدها سكت وهو يقول : تقصدين هذي – اشار الى نظارته – لا ما عليج منها .. لازم تتعودين انها تكون دايم ع ويهي .
خولة : ليش ؟ عيونك مب حلوة .. او اعمى ؟
ابتسم : الاعمى ما يشوف ويختار .. وانا اخترتج
خولة : يعني شفتني .. وماله داعي اشل الغشوة ..
براحتج .. كلمة قالها لتربكها وتحول ضربات قلبها وكأنها في سباق وتسعى للفوز : ممكن اطلب منك شيء ؟
تنهد حتى قُبض قلبها من تلك التنهيدة المفجعة بالنسبة لها : تعتقدين انج فموقف يسمح لج انج تطلبين شيء ..
شبكت يداها : اعرف انك فايز في كل الاحوال .. بس بغيت شيء منك .. واعتبره اول واخر طلب بتسمعه مني .
نظر
اليها بعيون يملأها شيء من الكره .. وقال في نفسه : كلكن مثل بعض .. ما
تريدن الا الفلوس .. حتى لو مقابل شرفكن .. وانتي مثلهن كلهن يا خولة .. مب
مختلفة عنهن .. وانتي عارفه فنفسج اني يمكن اطلقج بعد اسبوع من زواجنا ..
وطبعا مثلهن لازم تقبضين الثمن .. رخيصة مثلهن .. وانا اللي ظنيت انج يمكن
تكونين غير .. خسارة .
تشدق ساخرا : آمريني .
تنفست وكأن ذاك الصمت كان كالجبل يكتم على انفاسها : اريد بيت لاخوي عيسى ..و .. واشوف العقد قبل ما نملج .
الهدوء من قبله كان كفيلا بارعابها : تم .. وغيره ؟
سقطت
دموعها .. فهي لم تطلب يوما شيئا من احد .. واليوم تطلب اشياء باهضة الثمن
من شخص غريب عنها ..انتبه لصوت انفاسها الغريب .. احس بان هناك شيء ما
تغير فيها .. ونبرة صوتها كانت فاضحة لها : اريدك .. تتكفل بدراسة ايمان
فالجامعة .
ليش تصيحين يا خولة .. شو اللي خلاج تنزلين دموعج بهالشكل .. كانت تساؤلات تثير زوبعة في صدره : بس اي جامعة اللي تريد تدرس فيها .. وانا مستعد اتواصل معهم واتكفل بكل مصاريفها الين ما تتخرج .
ابتسمت بحزن : بعدها ما اختارت . لانها للحين تمتحن .
يبدو ان صوتها المتهدج كسر شيء فيه : خلاص
ولا يهمج .. اول ما تخلص وتستلم شهادتها تختار الجامعة اللي تريدها وانا
اوعدج اني بسوي الازم .. ووعد جاسم الـ .... ما يخلفه لو ع قطع رقبته .
قامت واقفة .. وقام معها .. باستنكار : خلصت الطلبات؟ .
خولة : اسفه ثقلت عليك .. بس هذا كل اللي اريده .. والسمووحه منك .. عن اذنك
ناداها قبل ان تغادر : بس انتي ما طلبتي شيء لعمرج – باستهزاء – ما تبين سيارة او فله او رصيد فالبنك ..
امسكت عباءتها بقبضتها اليمنى وشدة عليها دون ان يراها لانه يقف على يسارها : هذا كل اللي اريده .
صبري .. كلمة نطقها لتتسمر مكانها من جديد : انا عندي طلب ..
ارتجفت عظامها حتى ظنت انها غير قادرة على الوقوف : من المحكمة سيدا ع بيتي .
سكتت وهي تحدث نفسها : تستاهلين يا خولة .. وتحملي اللي بييج .. انتي بديتي وكملي ولا تنسين تبتسمين ..
موافقة
.. كلمة بمقدورها ان تخفي الابتسامة الساخرة من على محياه .. كان يتمنى
شيء .. اعتراض .. طلبات .. ولكن لا شيء .. سوى الموافقة . ظل واقفا مكانه
يراها تغادر بسوادها الغريب في نظره .. اختفت ليأتي بعدها عيسى ويصحبه الى
سيارته ومن هناك يمد له بظرف : خل خولة تجهز عمرها فهاليومين .. والـ500 الف ما نسيتها . بتكون فحسابك قريب
عيسى : ما اريدها .. واعتبر هالظرف هو مهر خوله .. لاني ما اريد احس عمري اني سافل وحقير وبعت اختي .
ضحك باعلى صوته : الظرف ما فيه الا 25 الف – رفع حاجبه – يكفن يومين .
تبعثرت ذرات الغبار من خلف سيارته .. وعيسى واقفا يكتنفه الحزن والظرف قابعا في قبضته . لا يعلم كم من الوقت ظل هكذا .. كل ما يدركه ان نفسه لم ترضى عما حدث .. ولن ترضى .. عاد الى الداخل .. وتجنب الذهاب لاخته .. وضع الظرف في غرفته وغادر من جديد .. الى عمله .. الى مكان يتعبه لعله ينسيه ما فيه . ويزيح ذاك الجبل الكبير الذي يقبع على كاهله منذ اسابيع خلت .
,‘،
بنصر
.. وسطى .. سبابة .. كانت تلك اصابعه تقرع الطاولة دواليك .. مرارا
وتكرارا .. سرير كشف ابيض في تلك الزاوية .. وعلاقة عليها روب ابيض في جهة
اخرى .. ودولاب به شيء من الادوية البسيطة .. غرفة طبيب بدون صاحبها ..
ضربات اطراف اصابعه المتكررة دليل على تفكيره ..
تلك الليلة المشؤومة .. بعث برسالة له .. مفادها انه بحاجته .. وان سيارته تعطلت في واحد من الاحياء الشعبية .. وعمار لا يرد على هاتفه .. بشهامته نسى كل ما كان .. ووصل للمكان المتفق عليه .. تراءت له سيارة طارق السوداء .. فترجل ليباغته اثنان من الجنسية الباكستانية يشدان ذراعيه .. بعيون جاحظه وخوف نظر لطارق القادم بابتسامة مخيفة : قلت اني بوريك نجوم الظهر .. وانا عند كلامي ..
بخوف ومحاولة للفرار من الايدي المطبقة عليه : طارق تعوذ من بليس ..
فجأة وحين تركاه بطلب من طارق .. لم يكن منه الا الفرار .. اطلق قدماه للريح .. ولكن هيهات ان يهرب من ذاك الطريق الذي سلكه .. لحقوا به ككلاب صيد وهو فريستها .. الخوف والرعب الذي تملكه كان كفيلا بأن يسقطه ارضا .. ليتكالبوا عليه .. ويحشر نفسه على الجدار .. واحد عن يساره واخر عن يمينه .. وطارق يشد قبضته لينهال على وجهه تهشيما : طارق .. الله يخليك لا تضرب ..
ترجي كان بداية لسخرية طارق منه : خواف .. تخاف من الضرب .. ولا خفت وانت تكسر قلب اختي ..
صرخ
باسمها وهو يمد قبضته ليتفاداها احمد .. ويصرخ الاخر بوجع لكمته في الجدار
.. لتُخدش ويسيل الدم منها . ويهزها بعنف .. ويعيد احكامها من جديد : جبان ..
لكمة اخرى كفيلة لتسكب الدماء من انف احمد : طارق الله يخليك خوز ( ابتعد ) عني .. انا .......
لا صوت .. لا شيء في اذنيه الا طنين مميت جراء تلك الكلمة التي قالها احمد .. تسمر مكانه .. وهرب المعاونان بمجرد سماعها .. انهار احمد على الارض : قلت لك لا تضرب .. قلت لك لا تضرب .
ضرب الارض بقبضته وهو يردد تلك الجملة .. دماء احمد مختلطة بدماءه على قبضته التي لا تزال مشدودة بجانبه .. واقفا ومتسمرا كأن دلو ماء بارد سكب عليه ..
عاد لواقعه على دخول الدكتور سلمان صديقة و الاخ الوحيد لشهد زوجته .. دخل وهو يعتذر عن التأخير بسبب حالة طارئة .. نزع سماعاته الطبية عن رقبته ووضعها على جانب الطاولة .. ابتسم طارق : هذاك اليوم ما قدرت اكلمك .. لان شهد طوال الوقت كانت معنا .. وعقبها انشغلت .
سلمان : ع طاري شهد .. شو صاير بينكم .؟
طارق : ما صاير الا الخير – باهتمام اكثر – اريدك فموضوع .. اريد اسوي تحاليل بدون محد يدري عنها .. لا شهد ولا اي حد غيرك .
بخوف : تحاليل شو ؟ انت مريض .. فيك شيء ؟
طأطأ رأسه .. وشبك اصابعه بين فخذيه : ايدز .
,‘،
,‘،
بينما كان طارق يوضح لسلمان ما
حدث معه دون ذكر اسم احمد في الموضوع ... واخذ وعد منه بعدم اخبار شهد بأي
شيء .. حتى يستعد هو لاخبارها .. كانت ميثة جالسة في مكتب مديرة المدرسة
التي ترتادها علياء .. الكلام من المعلمات المجتمعات في ذات المكتب كان
كفيلا بان يثير اعصابها .. خرجت بعد طول استماع ونصائح .. وهي تحمل حقيبة
يدها الكبيرة على كتفها .. ركبت سيارتها " الهوندا " البيضاء .. جلست فترة
بها وهي تحاول ان تضبط اعصابها .. نظرت الى حقيبتها المتكومة على الكرسي
بجانبها .. وكأنها تستنطق ما فيها بنظرات تسأل : لماذا؟
انطلقت بسيارتها متوجه لبيت اخيها عبد الرحمن .. تريد لاحد ان يمتص غضبها .. وان يوجهها .. ليست بصغيرة ولكنها اغفلت الكثير والكثير في تربية بناتها ومراعاتهن .. تعلم ان عملها ابعدها عن بناتها بقوة وخاصة علياء .. فهي لم تمتلكه الا بعد وفاة زوجها .. رغبة منها بالاعتماد على نفسها في مصاريف بناتها .. ولم تدرك ان هذا العمل وجميع تلك التغيرات التي حدثت بوفاة شريك عمرها كفيله ان تشتت استقرار علياء النفسي ..
الاشارة حمراء .. التفتت يسارها .. هناك في تلك الجهة الحديقة التي لطالما لعبت فيها مع بناتها ومع علياء بالذات .. هناك كان يقف يبتسم بحب وهو يراها مع بناتها .. هناك كانت ذكريات لم تعد .. وهناك مكان قد هجرته منذ امد .. صوت ابواق السيارات المستاءة من وقوف ميثة بهذا الشكل جعلها تعود الى واقع حياتها الممل .. الواقع الذي تعيشه وهي تظن بان كل ما تقوم به هو الصواب .. انطلقت من جديد .. لتطوي تلك العجلات المسافات ولتوصلها لمنزل عبد الرحمن ..ترجلت من سيارتها ومعها تلك الحقيبة التي تحمل دلائل على اجرامها بحق ابنتها .. اما في الداخل فكانت مريم جالسة كعادتها تستمع للاذاعة ولبرنامجها المفضل على ابوظبي .. ما ان دخلت ميثة حتى قامت مرحبة بها : حياج يا ميثة .. القهوة زاهبة ..
اغلقت الراديو .. وبدأت تقرب التمر من ميثة .. وتفتح الاناء لتنتشر رائحة " البلاليط" ( اكله اماراتية شعبية ) في المكان .. وهي تقوم بذلك كانت تسألها عن بناتها وعن اخيها راشد وعن ابناءه .. اخذت تمرة وفنجان قهوة يتيم وقالت باهتمام : وين عبد الرحمن ؟
ردت عليها مريم بشيء من الخوف : خير يا ميثة .. في شيء .. مب عوايدج اتيينا فهالوقت .. وبعدين ما عندج دوام اليوم .. والا شو السالفة ؟
قامت واقفة وهي تخلع عباءتها وتضعها على الوسادة وتعود وتجلس متكأة بعض الشيء : ترخصت من الشغل .. اريد عبد الرحمن فسالفة .. وينه
ما ان اكملت جملتها حتى دخل عبد الرحمن وبيده كيس بها الكثير من البيض الطازج .. كان متعبا .. ومظهره خير دليل على ذلك .. دخل وهو ينادي على مريم .. لتقوم وهي تقول : ولد الحلال ع الطاري .. وصل من العزبه ( مكان لتربية المواشي والدواجن )
اعطى الكيس لمريم التي بدورها اخذته للمطبخ : حيالله ميثة . زارتنا البركة ..
قامت لتحي اخاها بالتحية الاماراتية المعروفة .. لمست انفه بانفها مقبلة له .. وبعدها وضعت يدها على رأسه ليطأطأه قليلا وتباشره بقبلة اخوية تقديرا واحتراما .. استغرب من مجيئها في هذا الوقت ..كما استغرب قبله زوجته مريم .. اسرت اليه انها تريده في موضوع مهم .. فقاما من الصالة وتوجها لمجلس الرجال حتى لا يقاطع حديثهما احد .. ما ان جلست حتى قالت بحزن ونبرتها تخالطها حشرجة باكية : عبد الرحمن .. اختك مب عرافة شو تسوي .. والله مب عارفة شو اسوي ..
قال باهتمام وحنان زائد : خير يا ميثة شو صاير .. البنات فيهن شيء .. اخوي فيه شيء ؟
ميثة : عليا يا اخوي .. عليا كسرت ظهري اليوم .. آآآآآه يا بنتي..
لم يعد يقوى على ما يحدث فقال بشيء من الحزم : اهدي يا ميثة وخبريني شو صاير ..
سحبت حقيبتها وفتحتها وهي تخرج الاوراق ورقة ورقة وتعطيهن لعبد الرحمن : شوف .. 3 من عشرين .. وهذي 5 من عشرين .. وهذي صفر .. وهذي 6 .. البنت ما تذاكر – بدأت شهقاتها تعلو – حسيت نفسي صغيرة واسمع المدرسات يقولون عنها .. انها ما تنتبه وياهن .. آآآه يا اخوي .. عليا اللي كانت من الاوائل هذي درجاتها .. والله لو اشوفها قدامي ما برحمها .. صغرتني قدامهن صغرتني يا اخوي .. وكل ما اسألها شو فيج ما ترد علي .. تعبت والله العظيم تعبت ..
كان يستمع لها وهو ينظر لاوراق الامتحانات بين يديه .. وضعهن جانبا : ميثة الضرب ما بيب فايدة .. البنت شكلها تعبانه ويبالها حد يكلمها بشويش .. مب بالصريخ .. ولا تنسين انها كانت متعلقة بالمرحوم ..
ميثة : ما اظن ان موت ابوها السبب .. درجاتها كانت زينه الا من كم شهر انعفس حالها .. من يوم ما ..
سكتت وكأنها بدأت تتذكر اشياء مرت عليها .. طلبها الدائم بالعودة الى منزلهم .. خوفها .. كوابيسها .. هروبها ليلا من غرفتها لتندس في فراش ميثة .. تعلقها فيها وهي تترجاها ان لا تتركها وحدها وتاخذ اختاها .. انعزالها عن الجميع ..نزلت دموعها وهي تتمنى ان لا يكون ما تفكر فيه ..
سألها : من يوم شو يا ميثة ..؟
سحبت الاوراق ودستهن في حقيبتها بعنف واغلقت عليهن : من يوم ما سكنا بيت راشد .. اسمحلي يا بو عمار لازم اروح البيت ..
ناداها يريدها ان تبقى للغداء .. لكن لا فائدة ترجى .. لبست عباءتها وانطلقت وهي تمني النفس ان لا تكون افكارها واقعا ..هناك عادت من مدرستها مبكرا .. فلا توجد سوى امتحانات وما ان تنتهي منهن تعود .. كانت جالسة في الصالة الصغيرة التي تجمع غرفتها مع اختيها وغرفة والدتها في ذاك القسم الصغير المخصص لهن .. الباب مفتوح على مصراعيه .. وهي جالسه مع اختيها تلون بالالوان وتشخبط معهن بمرح طفولي .. تشعر بالراحة في هذا الوقت .. فكابوسها ليس هنا .. وفجأة تسارعت انفاسها .. وشعرت بأن قلبها سيخرج من بين اضلعها .. وقلم الالوان حفر الورقة بقوة حين سمعته : الحلوين يالسين يلعبون .
لا .. مب هو .. هو فالمدرسة .. مب هو .. انا احلم .. كانت هذا ما تردده بصوت مرتعب وخافت ..صرخت خلود : خربتي الرسمة .
اقشعر بدنها حين لمست يده يدها .. وهو يجلس القرفصاء بجانبها ويهمس في اذنها : ما تبين تروحين حجرتي دام محد فالبيت وكلهم فدواماتهم ..
فجأة اذا بها تسلط القلم نحوه بيد مرتجفه .. وعيون غاضبة خائفة .. وتطالبه ان يبتعد عنها .. في وسط صمت غريب من قبل اختيها .. لا يعرف ماذا جرى له .. هناك شيء ما تغير .. لعل نظرتها ارجفته من اعماقه .. نظرة خوف وانتقام ورغبة بالصراخ .. حين رأت منه عدم الحراك قامت تتخبط الخطى وهي تجري مسرعة للغرفة .. لحق بها امسك الباب قبل ان تقفله وهي تصرخ : خوز عني .. خوز ..
علايا اسمعيني .. كانت نبرته مختلفة هذه المرة .. لكن هي لا تسمع الا كلماته ذاتها .. ولا تشعر الا بانفاسه التي تحرقها كلما رآها وقبلها .. لم تقوى على الصمود اكثر وهي تدفع الباب .. كان اقوى منها .. فتركته له وجرت من جديد لتختبيء هناك في دورة المياه ( اكرمكم الله ) .. كانت تضرب وجنتيها بكفيها بخفة .. وكأنها توقظ نفسها من كابوس مرعب : حلم ..حلم .. حلم
كان يسمعها .. يشعر بشهقاتها وبأنفاسها .. كان صوتها يخالط صوت بدر الذي ما ينفك بطلبه ذاك .. بأن يبتعد عن علياء .. تجلس القرفصاء متكأة على الباب .. طرقاته كانت تهز جسمها وهي تحاول مرارا لتوقظ نفسها من تلك الحقيقة التي تحسبها حلما .. بل كابوسا .. كان ولا يزال يقظ مضجعها ليلا .. وها هو الآن يطاردها في يقظتها .
- علايا تسمعيني .. فتحي الباب وانا اوعدج ما اسوي اي شيء .. بس فتحيلي ..
لا شيء من قبلها الا شهقات متعبة وانفاس خافته .. ونبرة صوت تخبو رويدا رويدا ..
وين عليا ؟ سؤال طرحته ميثة على خلود حيث لا تزال مع اختها ترسمان وتلونان .. وقبل ان يأتيها الجواب رأته خارجا من هناك . من غرفة بناتها .. حملقت فيه .. وتوتر جسده من نظرة عمته التي بدأت تقترب منه شيئا فشيئا .. لا بد من كذبة ما .. والا كُشف امره .. سألته بشك وريبة : شو تسوي هني ؟
تلعثم بعض الشيء : سمعت صرخة وييت .. قلت اكيد علياء .. بس ما طاعت تفتحلي الباب .. عمتي روحي شوفيها .. مب راضيه تفتح
دفعته بذراعها لتمر من جانبه .. اما هو فاسرع الى خلود وحصة ليسكتهما ببعض الحلويات كما اعتاد .. وليخوفهما بعض الشيء بشخصيات رسوم متحركة شريرة .. وبعدها غادر مسرعا .. اراد ان يبتعد عن المنزل بقدر الامكان .. حتى يرتاح من وساوس نفسه القاتلة .. اما هناك فلقد تعبت ميثة من طرق ذاك الباب .. وعلياء لا تفتح .. ولا يوجد صوت لها . كانت تبكي وتلوم نفسها .. وتترجاها ان تفتح .. لكن لا من مجيب .. ابدا لا من مجيب .
,‘،
مسحت بكفيها على وجهها وهي تنطق الشهادتين .. طوت سجادتها والتفت الى حيث يقبع ذاك الظرف .. بالامس احظره لها عيسى .. قامت وبيدها سجادتها .. وضعتها على سريرها .. وجلست .. لا تعرف كيف سيستقبل عيسى ما حدث .. لا تزال تذكر لهفته وهو يسألها : هاااه اقتنع انه يخليج ؟ ..
لترد عليه هي بكذبة تعلم بأنها لن تنفعها : لا .. يريدني ولا يريد يخليني .
تنهدت وهي تحاول ان تقنع نفسها بان ما فعلته هو الصح .. مر الوقت والبيت بدأ يخلو .. ايمان وعيسى خرجا مثل كل يوم .. وهي بعد خروجهما قامت لتستعد لذهاب الى السوق مع جارتها التي كان اندهاشها كبيرا بخبر زواج خولة بعد يومان : يا بنتي ع الاقل سوا عزيمه صغيره لجيرانكم .. والله ما يصير هالشيء .. يعني حتى حنا ما بتتحنين .. شو عرسه هذا ؟
خولة : خالتي الله يخليج .. هذا اللي صار .. وحتى لو سوينا ترا مردي لبيت ريلي ..
ضربت كف بأخرى : لا حول ولا قوة الا بالله .. بكيفكم ..
تذكرت هذا الحديث وابتسمت، وتمتمت : الله يعيني ع حنتها .. بس محتايتنها تكون وياي .
خرجت معها الى السوق مر الوقت بين محلات الاحذيه ومحلات الملابس .. وجارتها لا تتوقف عن الكلام .. وها هي تطلب منها شراء طقم من الذهب لها لتتزين به .. ولكن خولة اصرت انها لا تريد .. ومع شدة الحاح جارتها قالت لها بعفويه : جاسم بيشتري ..
تساءلت في نفسها .. هل حقا سيشتري لها ذهبا . ويغدقها بالملابس الفاخرة .. هل سيعترف بها زوجة له .. اما انها ستكون جارية لايام فقط ؟
كانت تتسوق واعين تراقبها من بعيد .. ترصد كل تحركاتها .. حتى ماذا تشتري .. ومن اي المحلات ابتاعت .. كانت تشعر بتلك العيون ولكن ظنت بانه خوفها فقط .. انتهت اخيرا .. وطلبت السماح من جارتها لانها اتعبتها معها هذا اليوم .. ولكن تلك الجارة اعجبتها طيبة خولة لتبتاع لها شيء بين الحين والاخر .. وتتعذر بانها لا تريده بعد ان تلقي باعجابها به على مسامع خولة .. ومن ناحية اخرى تقول بانها لا تملك المال لشراءه .. لتبتسم خولة بعفوية وتطلب منها اخذه وتعتبره هدية منها .. اعجبها كل ذلك وطلبت من خولة ان ترافقها غدا ايضا .. ليس حبا في خولة بل طمعا في شراء شيء جديد بالغد من مالها ..
,‘،
انطلقت بسيارتها متوجه لبيت اخيها عبد الرحمن .. تريد لاحد ان يمتص غضبها .. وان يوجهها .. ليست بصغيرة ولكنها اغفلت الكثير والكثير في تربية بناتها ومراعاتهن .. تعلم ان عملها ابعدها عن بناتها بقوة وخاصة علياء .. فهي لم تمتلكه الا بعد وفاة زوجها .. رغبة منها بالاعتماد على نفسها في مصاريف بناتها .. ولم تدرك ان هذا العمل وجميع تلك التغيرات التي حدثت بوفاة شريك عمرها كفيله ان تشتت استقرار علياء النفسي ..
الاشارة حمراء .. التفتت يسارها .. هناك في تلك الجهة الحديقة التي لطالما لعبت فيها مع بناتها ومع علياء بالذات .. هناك كان يقف يبتسم بحب وهو يراها مع بناتها .. هناك كانت ذكريات لم تعد .. وهناك مكان قد هجرته منذ امد .. صوت ابواق السيارات المستاءة من وقوف ميثة بهذا الشكل جعلها تعود الى واقع حياتها الممل .. الواقع الذي تعيشه وهي تظن بان كل ما تقوم به هو الصواب .. انطلقت من جديد .. لتطوي تلك العجلات المسافات ولتوصلها لمنزل عبد الرحمن ..ترجلت من سيارتها ومعها تلك الحقيبة التي تحمل دلائل على اجرامها بحق ابنتها .. اما في الداخل فكانت مريم جالسة كعادتها تستمع للاذاعة ولبرنامجها المفضل على ابوظبي .. ما ان دخلت ميثة حتى قامت مرحبة بها : حياج يا ميثة .. القهوة زاهبة ..
اغلقت الراديو .. وبدأت تقرب التمر من ميثة .. وتفتح الاناء لتنتشر رائحة " البلاليط" ( اكله اماراتية شعبية ) في المكان .. وهي تقوم بذلك كانت تسألها عن بناتها وعن اخيها راشد وعن ابناءه .. اخذت تمرة وفنجان قهوة يتيم وقالت باهتمام : وين عبد الرحمن ؟
ردت عليها مريم بشيء من الخوف : خير يا ميثة .. في شيء .. مب عوايدج اتيينا فهالوقت .. وبعدين ما عندج دوام اليوم .. والا شو السالفة ؟
قامت واقفة وهي تخلع عباءتها وتضعها على الوسادة وتعود وتجلس متكأة بعض الشيء : ترخصت من الشغل .. اريد عبد الرحمن فسالفة .. وينه
ما ان اكملت جملتها حتى دخل عبد الرحمن وبيده كيس بها الكثير من البيض الطازج .. كان متعبا .. ومظهره خير دليل على ذلك .. دخل وهو ينادي على مريم .. لتقوم وهي تقول : ولد الحلال ع الطاري .. وصل من العزبه ( مكان لتربية المواشي والدواجن )
اعطى الكيس لمريم التي بدورها اخذته للمطبخ : حيالله ميثة . زارتنا البركة ..
قامت لتحي اخاها بالتحية الاماراتية المعروفة .. لمست انفه بانفها مقبلة له .. وبعدها وضعت يدها على رأسه ليطأطأه قليلا وتباشره بقبلة اخوية تقديرا واحتراما .. استغرب من مجيئها في هذا الوقت ..كما استغرب قبله زوجته مريم .. اسرت اليه انها تريده في موضوع مهم .. فقاما من الصالة وتوجها لمجلس الرجال حتى لا يقاطع حديثهما احد .. ما ان جلست حتى قالت بحزن ونبرتها تخالطها حشرجة باكية : عبد الرحمن .. اختك مب عرافة شو تسوي .. والله مب عارفة شو اسوي ..
قال باهتمام وحنان زائد : خير يا ميثة شو صاير .. البنات فيهن شيء .. اخوي فيه شيء ؟
ميثة : عليا يا اخوي .. عليا كسرت ظهري اليوم .. آآآآآه يا بنتي..
لم يعد يقوى على ما يحدث فقال بشيء من الحزم : اهدي يا ميثة وخبريني شو صاير ..
سحبت حقيبتها وفتحتها وهي تخرج الاوراق ورقة ورقة وتعطيهن لعبد الرحمن : شوف .. 3 من عشرين .. وهذي 5 من عشرين .. وهذي صفر .. وهذي 6 .. البنت ما تذاكر – بدأت شهقاتها تعلو – حسيت نفسي صغيرة واسمع المدرسات يقولون عنها .. انها ما تنتبه وياهن .. آآآه يا اخوي .. عليا اللي كانت من الاوائل هذي درجاتها .. والله لو اشوفها قدامي ما برحمها .. صغرتني قدامهن صغرتني يا اخوي .. وكل ما اسألها شو فيج ما ترد علي .. تعبت والله العظيم تعبت ..
كان يستمع لها وهو ينظر لاوراق الامتحانات بين يديه .. وضعهن جانبا : ميثة الضرب ما بيب فايدة .. البنت شكلها تعبانه ويبالها حد يكلمها بشويش .. مب بالصريخ .. ولا تنسين انها كانت متعلقة بالمرحوم ..
ميثة : ما اظن ان موت ابوها السبب .. درجاتها كانت زينه الا من كم شهر انعفس حالها .. من يوم ما ..
سكتت وكأنها بدأت تتذكر اشياء مرت عليها .. طلبها الدائم بالعودة الى منزلهم .. خوفها .. كوابيسها .. هروبها ليلا من غرفتها لتندس في فراش ميثة .. تعلقها فيها وهي تترجاها ان لا تتركها وحدها وتاخذ اختاها .. انعزالها عن الجميع ..نزلت دموعها وهي تتمنى ان لا يكون ما تفكر فيه ..
سألها : من يوم شو يا ميثة ..؟
سحبت الاوراق ودستهن في حقيبتها بعنف واغلقت عليهن : من يوم ما سكنا بيت راشد .. اسمحلي يا بو عمار لازم اروح البيت ..
ناداها يريدها ان تبقى للغداء .. لكن لا فائدة ترجى .. لبست عباءتها وانطلقت وهي تمني النفس ان لا تكون افكارها واقعا ..هناك عادت من مدرستها مبكرا .. فلا توجد سوى امتحانات وما ان تنتهي منهن تعود .. كانت جالسة في الصالة الصغيرة التي تجمع غرفتها مع اختيها وغرفة والدتها في ذاك القسم الصغير المخصص لهن .. الباب مفتوح على مصراعيه .. وهي جالسه مع اختيها تلون بالالوان وتشخبط معهن بمرح طفولي .. تشعر بالراحة في هذا الوقت .. فكابوسها ليس هنا .. وفجأة تسارعت انفاسها .. وشعرت بأن قلبها سيخرج من بين اضلعها .. وقلم الالوان حفر الورقة بقوة حين سمعته : الحلوين يالسين يلعبون .
لا .. مب هو .. هو فالمدرسة .. مب هو .. انا احلم .. كانت هذا ما تردده بصوت مرتعب وخافت ..صرخت خلود : خربتي الرسمة .
اقشعر بدنها حين لمست يده يدها .. وهو يجلس القرفصاء بجانبها ويهمس في اذنها : ما تبين تروحين حجرتي دام محد فالبيت وكلهم فدواماتهم ..
فجأة اذا بها تسلط القلم نحوه بيد مرتجفه .. وعيون غاضبة خائفة .. وتطالبه ان يبتعد عنها .. في وسط صمت غريب من قبل اختيها .. لا يعرف ماذا جرى له .. هناك شيء ما تغير .. لعل نظرتها ارجفته من اعماقه .. نظرة خوف وانتقام ورغبة بالصراخ .. حين رأت منه عدم الحراك قامت تتخبط الخطى وهي تجري مسرعة للغرفة .. لحق بها امسك الباب قبل ان تقفله وهي تصرخ : خوز عني .. خوز ..
علايا اسمعيني .. كانت نبرته مختلفة هذه المرة .. لكن هي لا تسمع الا كلماته ذاتها .. ولا تشعر الا بانفاسه التي تحرقها كلما رآها وقبلها .. لم تقوى على الصمود اكثر وهي تدفع الباب .. كان اقوى منها .. فتركته له وجرت من جديد لتختبيء هناك في دورة المياه ( اكرمكم الله ) .. كانت تضرب وجنتيها بكفيها بخفة .. وكأنها توقظ نفسها من كابوس مرعب : حلم ..حلم .. حلم
كان يسمعها .. يشعر بشهقاتها وبأنفاسها .. كان صوتها يخالط صوت بدر الذي ما ينفك بطلبه ذاك .. بأن يبتعد عن علياء .. تجلس القرفصاء متكأة على الباب .. طرقاته كانت تهز جسمها وهي تحاول مرارا لتوقظ نفسها من تلك الحقيقة التي تحسبها حلما .. بل كابوسا .. كان ولا يزال يقظ مضجعها ليلا .. وها هو الآن يطاردها في يقظتها .
- علايا تسمعيني .. فتحي الباب وانا اوعدج ما اسوي اي شيء .. بس فتحيلي ..
لا شيء من قبلها الا شهقات متعبة وانفاس خافته .. ونبرة صوت تخبو رويدا رويدا ..
وين عليا ؟ سؤال طرحته ميثة على خلود حيث لا تزال مع اختها ترسمان وتلونان .. وقبل ان يأتيها الجواب رأته خارجا من هناك . من غرفة بناتها .. حملقت فيه .. وتوتر جسده من نظرة عمته التي بدأت تقترب منه شيئا فشيئا .. لا بد من كذبة ما .. والا كُشف امره .. سألته بشك وريبة : شو تسوي هني ؟
تلعثم بعض الشيء : سمعت صرخة وييت .. قلت اكيد علياء .. بس ما طاعت تفتحلي الباب .. عمتي روحي شوفيها .. مب راضيه تفتح
دفعته بذراعها لتمر من جانبه .. اما هو فاسرع الى خلود وحصة ليسكتهما ببعض الحلويات كما اعتاد .. وليخوفهما بعض الشيء بشخصيات رسوم متحركة شريرة .. وبعدها غادر مسرعا .. اراد ان يبتعد عن المنزل بقدر الامكان .. حتى يرتاح من وساوس نفسه القاتلة .. اما هناك فلقد تعبت ميثة من طرق ذاك الباب .. وعلياء لا تفتح .. ولا يوجد صوت لها . كانت تبكي وتلوم نفسها .. وتترجاها ان تفتح .. لكن لا من مجيب .. ابدا لا من مجيب .
,‘،
مسحت بكفيها على وجهها وهي تنطق الشهادتين .. طوت سجادتها والتفت الى حيث يقبع ذاك الظرف .. بالامس احظره لها عيسى .. قامت وبيدها سجادتها .. وضعتها على سريرها .. وجلست .. لا تعرف كيف سيستقبل عيسى ما حدث .. لا تزال تذكر لهفته وهو يسألها : هاااه اقتنع انه يخليج ؟ ..
لترد عليه هي بكذبة تعلم بأنها لن تنفعها : لا .. يريدني ولا يريد يخليني .
تنهدت وهي تحاول ان تقنع نفسها بان ما فعلته هو الصح .. مر الوقت والبيت بدأ يخلو .. ايمان وعيسى خرجا مثل كل يوم .. وهي بعد خروجهما قامت لتستعد لذهاب الى السوق مع جارتها التي كان اندهاشها كبيرا بخبر زواج خولة بعد يومان : يا بنتي ع الاقل سوا عزيمه صغيره لجيرانكم .. والله ما يصير هالشيء .. يعني حتى حنا ما بتتحنين .. شو عرسه هذا ؟
خولة : خالتي الله يخليج .. هذا اللي صار .. وحتى لو سوينا ترا مردي لبيت ريلي ..
ضربت كف بأخرى : لا حول ولا قوة الا بالله .. بكيفكم ..
تذكرت هذا الحديث وابتسمت، وتمتمت : الله يعيني ع حنتها .. بس محتايتنها تكون وياي .
خرجت معها الى السوق مر الوقت بين محلات الاحذيه ومحلات الملابس .. وجارتها لا تتوقف عن الكلام .. وها هي تطلب منها شراء طقم من الذهب لها لتتزين به .. ولكن خولة اصرت انها لا تريد .. ومع شدة الحاح جارتها قالت لها بعفويه : جاسم بيشتري ..
تساءلت في نفسها .. هل حقا سيشتري لها ذهبا . ويغدقها بالملابس الفاخرة .. هل سيعترف بها زوجة له .. اما انها ستكون جارية لايام فقط ؟
كانت تتسوق واعين تراقبها من بعيد .. ترصد كل تحركاتها .. حتى ماذا تشتري .. ومن اي المحلات ابتاعت .. كانت تشعر بتلك العيون ولكن ظنت بانه خوفها فقط .. انتهت اخيرا .. وطلبت السماح من جارتها لانها اتعبتها معها هذا اليوم .. ولكن تلك الجارة اعجبتها طيبة خولة لتبتاع لها شيء بين الحين والاخر .. وتتعذر بانها لا تريده بعد ان تلقي باعجابها به على مسامع خولة .. ومن ناحية اخرى تقول بانها لا تملك المال لشراءه .. لتبتسم خولة بعفوية وتطلب منها اخذه وتعتبره هدية منها .. اعجبها كل ذلك وطلبت من خولة ان ترافقها غدا ايضا .. ليس حبا في خولة بل طمعا في شراء شيء جديد بالغد من مالها ..
,‘،
اما
هو فكان جالسا بكل راحة بعد اجتماع اخذ ساعة وربع الساعة من وقته .. وظن
بانه بلا طائل .. فنفس الافكار تعاد عليه .. حينها صرخ بالمجتمعين : اريد افكارا جديدة .. معكم شهر واحد فقط ..
غادروا المكتب البعض يتملكه الخوف والبعض يتملكه التنمر .. والبعض الاخر يسعى باي طريقة ليثبت نفسه اكثر ..اما هو فليس مهتما كثيرا .. يعرف نفسيات موظفيه .. الحاقدين منهم والطامعين .. وحتى اولئك المكافحين .. حتى وان كان بعيدا عنهم في مخدعه العاجي الا انه يعلم جراء العيون التي يبثها في كل مكان .. والآن هناك عين جديدة انظمت الى تلك العيون .. عين ترصد تحركات زوجة المستقبل .. كما كانت تلك العيون تعمل له هو فقط .. فهناك عيون اخرى تلعب على الحبلين كما كان يقول دائما : ما احب اللي يلعب ع الحبلين .
كان
ساندا رأسه على كرسيه الجلدي وظهره لمكتبه .. ينتظر شخصا يدخل .. شخصا
كان يعتمد عليه بقوة .. ولكن حين تخونك يدك فعليك ان تقطعها .. هذا هو
قانون جاسم .. لا يحب الخونه معه .. دخل بطوله الممشوق وجلس كما اعتاد
دائما ان يكون تعامله مع جاسم دون تكلف : طلبتني استاذ جاسم ؟
لف بكرسيه لتبان ابتسامته .. وليعتق الكرسي من ظهره : جون .. كم صار لك وانت تعمل عندي .. او لنقل معي ؟
تشدق فرحا ظانا بان هناك منصبا في الطريق او مكافأة ما .. او لعله اطراء على عمله : ست سنوات ..
انحنى
بجذعه للامام واخذ يتفحص جون بنظراته من خلف نظارته .. توتر وهو في مكانه
.. فيبدو ان هناك شيء ما . فهو يدرك ان جاسم ذكيا جدا .. ومن الصعب العب
عليه : اختر يا جون .. انا او والدي ؟
جون : مالذي تقوله .. انت تعلم بأني معك .. ووجودي مع السيد عبدالعزيز فقط لاجلك انت .. فلا داعي لهذا الكلام .
ابتسم
ابتسامة اكبر عن سابقتها .. ومد يده ليفتح دُرجا من أدراج مكتبه ..وبعدها
رمى بعدد من الصور امام جون : اجتماع فاخر في برج العرب .. متى ذهبت الى
دبي يا جون .. ومن هذا الذي معك بالصورة .. اليس والدي ؟..
قام
واقفا وهو يشعر بهالة من الخوف تحيط بجون .. مشى حتى وقف أمام لوحة فنية
كان قد اشتراها من معرض لفنان هاوي .. عبارة عن خطوط متداخلة من الالوان ..
لا ملامح قد تعبر فيها : اتذكر عندما جأتني لتخبرني عن مشروع عبد العزيز
الكبير .. وقلت لي بأنك لم تستطع معرفته .
جون : اجل .. اذكر جيدا .. وانا حقا لم اكـــ..
قاطعه وهو يضع يده على كتف جون : لا تكذب يا جون .. الآن انا اخيرك بيني وبين والدي .. فمن ستختار ؟
ابتسم بشيء من الراحة : انت بالتأكيد
قهقه جاسم : وانا لا اريدك يا جون .. خذ مستحقاتك ولا تريني وجهك ثانية ..
يدرك
عظيم الادراك ان فعله هذا سيزيد من اعداءه في هذه الساحة المخيفة .. ولكنه
يكره هذا الصنف من الاشخاص .. يكره ان يكون الشخص ذا وجهين ...
ضحكات
صغيرة ومرحة كانت تتسلل بين نبات البرسيم الممتد على مساحات شاسعة من تلك
المزرعة الكبيرة .. تتراقص الاوراق على صوت المرح .. وزقزقات العصافير تهيم
بذاك الحب الطفولي والاخوي : جسووم لا تروح بعيد
وهو يتلذذ منذ الصغر باخافته .. يناديه ولكنه لا يجيب .. بكى وهو يعرك عيناه : جسوم ما احبك ..
صرخة
من خلفة كفيلة ان ترعبه ليركض مسرعا يختبأ في حظنها . وتدفنه في جسدها
الممتليء بحنان الام .. تراء لها ضاحكا .. مقهقها .. لتزجرة : جويسم ما
بتيوز عن سوالفك يالهرم .. زين الحين .. خوفت اخوك .
ذكرى جميلة كانت تحبه كثيرا لدرجة ان ذاك الحب من شأنه أن يولد الغيرة في قلبه .. ولكن هو ايضا يحبه .. يتسائل كثيرا هل ما يفعله صحيح .. لكن ما عساه ان يفعل .. اذا الاطباء قالوا بانها لن تتحمل اي صدمة قوية .. وهو يعلم مدى قوة ذاك الحدث عليها .. فما زالت آثاره باقية في نفسه حتى الآن .. الغى كل مواعيده لهذا اليوم .. وخرج من ذاك المبنى الفخم .. ركب سيارته .. لا يحبذ ذهاب السائق معه الى ذاك المكان .. فهو لا يريد دخيلا عليه في لحظات يحبها ويعشقها وتؤلمه ايضا .. وصل تنفس بقوة كعادته فكم هو صعب عليه هذا العمل .. نفش شعره المصفف بعبثية طفولية .. وابتسم وهو ينظر لوجهه في المرآة الامامية .. كل شيء كما اراد.. ترجل من سيارته ليطوي ذاك الطريق بين اشجار النخيل .. وليصل اليها .. بخيتة .. او كما يناديها " أمي بخيتة " .. ولج لغرفتها بعد ان سلخ شخصيته القاسية .. ها هي هناك تقبع جالسة على الارض .. وتتغنى بأهازيج الغوص التي طالما سمعتها من والدها وحفظتها .. ابتسم بحزن .. فهي تعيد اليه ذكريات طفولته الجميلة .. قبلها على رأسها ومن ثم يدها .. فعل لا ينساه ابدا : شحالج امي ..
بعيون متعبة وشاردة بعض الشيء قالت : وين اخوك ؟
ضحك مرغما : تعرفين جويسم ما يخلي شغله ابد ..
نظرت
اليه نظرة حزن غريب .. فهي أم .. فهل هناك ام لا تعرف ابناءها ؟.. ابتسمت
بوهن : وين اخوك يا جويسم .. متولهه عليه .. من زمان عنه .. تذكر يوم تضربه
.. وايني يركض يقولي جسوم الهلم ( الهرم ) دقني .. فديته وفديت سوالفه ..
وين قاسم يا جاسم .
لاول مرة لا يخجل من دموعه .. انكب على فخذها .. بكى .. اجل بكى .. كان يظن انه يخدعها بتقمص شخصية اخيه المرحة .. بكى دون خجل وهو يردد : خذوه يا امي بخيته .. خذوه .. واحرموني منه ..
وضعت
كفها على رأسه بحنان .. وسالت دموعها مبتعدة خلف ذاك البرقع الذهبي
اللون .. واخذت تغني له وكأنه طفل صغير في حظنها .. تهاديه لينام .. طفل
يحمل في داخله كره وحقد قد يحرق اقرب الناس له يوما .. طفل غير ذاك الطفل
الذي تعرفه .. وكل دمعة ذرفها تزيد من عمق بحر الكراهية في قلبه الدامي .
,‘،
ذاك
الكره الذي يتغلغل في نفس جاسم اكثر بكثير من ذاك الكره الذي بدأ يتولد في
عبدالله .. بعد صلاة العصر اجتمع مع والده واخيه الاكبر سعيد .. وعلم ان
وراء تلك الابتسامة الماكرة من سعيد موضوع ما .. فهي لا تبشر بخير .. تكلم
راشد في ذاك الموضوع الذي يكرهه عبدالله كرها اعمى .. ولا يطيق حتى النقاش
فيه قام واقفا : ابويه ما اريد اعرس .. كم مرة قلت لكم ما افكر بالعرس الحين ..
صرخ
عليه بان يعود ليجلس من جديد .. فالكلام لم ينتهي بعد .. اخيرا نطق بعد
طول صمت وهو يبتسم بتلك الابتسامة المثيرة للهواجس في قلب عبدالله : يمكن
اذا عرفت من هي العروس تغير رايك .
راشد : صح كلام اخوك .. والبنت مالها الا عيال عمها عشان يوقفون وياها .. ويحطون حد لكلام الناس عليها ..
ترددت تلك الجملة في ذهنه " عيال عمها " .. ليقطع تفكيره كلام والده : هاجر صار الكل يتكلم عليها عقب طلاق ولد خالتها لها .. ولازم نوقف وييا اخوي ونحط حد لكلامهم .. وما بيصير هالشيء الا بزواجك من هاجر .
جحظت عيناه وهو ينظر لسعيد .. هذه من مخططات سعيد ليبعده عن ريم .. تلك الريم التي لم يحبها يوما .. وكل يوم يتلذذ بتعذيبها .. هكذا وبزواج عبدالله من اختها سيظمن انها لن تكون لاخيه يوما .. حتى وان طلقها .. تلاشت الحروف عند شفتيه .. تبخرت الكلمات .. بماذا عساه يرد .. او ماذا عساه يقول .. سوى لا .. لا التي لا يظن بانها ستفيد الآن .. لم يعي اي شيء من كلام والده .. الذي ظن بان سكوته دليل موافقته .. خرج راشد وهو لازال ساكنا .. كيف يستطيع تقبل هذا الخبر الذي كسر قلبه بقوة .. لم ينتبه الا حين وقف سعيد امامه .. نظر لقدميه وبعدها رفع نظه تدريجيا حتى تلاقت العيون .. بسخرية مميتة قال : مبرووك يا عريس .
ادبر
خارجا .. والاخر تجمد الدم في عروقه .. سيخسر حبه .. سيخسر من تربعت في
قلبه سنين وسنين .. سيتلاشى الامل الذي يتشبث به .. تحامل على نفسه
المكسورة .. وقام واقفا .. مشى وهو لا يعلم هل قدماه من تحملاه او هو من
يحملهما .. خرج من ذاك المكان المبوء بالقرارات العادمة لحبه .. خرج واذا
به يراها تنزل الدرجات بعباءتها وابتسامتها العذبة .. وقفت ونظرت اليه ..
هالها منظره .. ولكنها لا تستطيع حتى السؤال .. غادرت المكان .. وهو يتبعها
بعيون دامعة بدون دموع .. فجأة لا يعلم من أين جاءته تلك القوة ليجري
مسرعا خلفها .. ويمسكها من ذراعها .. لتذعر وتلتفت له .. سحبت يدها بعنف
لكن سرعان ما عاد يمسكها وهو يلهث : تعالي وياي .
صرخت عليه : خلني .. شو فيك ..
كانت
تنظر للاعلى واحيانا لباب الفلة .. تتخيل هجومه عليها .. يضربها يهينها ..
تسحب يدها دون جدوى .. وهو يسحبها للخارج : اذا ما تبين سعيد يشوفج تعالي
وياي ..
اجل
هي لا تريد لسعيد ان يراها .يرعبها كثيرا اذا غضب .. مشت معه بخوف .. وقفت
حيث فتح باب سيارته : ركبي .. ريم ركبي .. والا والله اتصل بسعيد الحين
اخليه يشوفج وياي ..
تعلم
ان سعيد هناك على السرير نائما .. اخبرته انها ستذهب لمنزل والدها وستعود
عند العشاء ووافق .. الافكار تتخبط في عقلها .. لا تعرف ماذا تفعل .. صرخت
على عبدالله حين اخرج هاتفه من جيبه : خلاص .. بركب .. بس الله يخليك لا
تنسى اني حرمة اخوك ..
رص على اسنانه بغيض : ركبي ..
لم
يكن عبدالله المسالم .. لقد استيقظ الوحش النائم من سباته .. ركبت ..
ليغلق الباب من خلفها بقوة .. ويركب بجانبها .. لا يسمع شيء من ترجيها ..
لا شيء .. الا صوت عقله الشيطاني .. الذي يأمره بالانطلاق بعيدا .. كانت
خائفة .. تبكي تترجاه ان يعيدها .. تذكره بسعيد وانها زوجة لشقيقه .. وهي
لا تدرك بان اسم سعيد يثير شيطانه اكثر فاكثر ..
,‘،
ذاك
الشيطان الانساني .. ها هو يتلبس عيسى ليدخل المنزل صارخا ومزمجرا ..
لتخرج ايمان سائلة ما به .. وتخرج الاخرى مدركة ما به .. او توقعت ما به ..
كانت بيده تقبع ورقة .. قد تجعدت بقوة .. مدها لوجهها : خبريني شو هذا يا خولة ..
نظرت ايمان لاختها : شو صاير ..
صرخ من جديد وهو يرمي الورقة في وجهها : اختج .. اللي ما رضيت ابيعها لواحد مثل جاسم .. باعت نفسها .. باعت حياتها ببيت وكم فلس بيدفعهن لج عشان تكملين دراستج ..
كانت صامته ..عيونها تقص كلاما لا يسمع .. استطرد : منو قالج اني اريد بيت .. او اني مب قادر ع مصاريف ايمان ودراستها .. خبريني منو قالج .
نطقت ويا ليتها لم تنطق : ما تقدر .. مثل ما قدرت ع مصاريف دراستي من قبل .
ضربته
بكلامها .. هو لم يستطع ان يحقق لها حلمها باكمال الدراسة .. وهاهي تذكره
بذلك .. لتكسره بقسوة لم يعهدها منها .. صمت اسدل نفسه على المكان ..
الكلمات كانت كقنبلة قتلت الكلام من بعدها .. قال بانكسار وهو يرفع نظره
لها : انسي ان لج اخوان .. بوصلج له .. ومن بعدها انسي هالبيت .. وانسي ان عندج اخت .. واخو .
لا
.. عيسى لا تقول هالكلام .. انا اختك .. صاحبتك .. امك .. انت كنت تقول
هالشيء .. ما تذكر .. كنت تقول اني كل شيء فدنيتك .. كنت لك كل شيء .. لا
تقول انسى .. لانك انت ما بتنسى ..
كان كلام يتردد في داخلها .. وتنطقه عيونها .. تحاول ان تخرجه لكن دون جدوى .. صرخت ايمان به : شو اللي يالس تقوله .. كيف تطردها من بيتنا .. كيف تقـ ...
قاطعها : باعت نفسها .. شو نريد فيها .. ارخصت نفسها عشان كم بيزه وبيت ..
ارتجفت شفتيها .. وتهدج صوتها : سامحني يا عيسى .. اريد اظمن لكم حياة احسن .
صرخ ليهتز المنزل بنبرته : تظمنين شو .. حياتنا .. اشتكينالج .. مثل ما قلت عقب باكر بوصلج له .. ومن عقبها انسينا ..
خارت
على الارض باكية .. وايمان توشحها الاستغراب .. لا تعرف ماذا تفعل .. كانت
تنظر لخولة على الارض وتسمعها .. بصوتها المتقطع : والله .. مب قصدي .. هو
ما بيخليني .. اصلا هو ناوي ومتمسك فقراره .. ليش ما اظمن لكم شيء .
رفعت نظرها لوجه ايمان : ما بعت نفسي .. والله ما بعت نفسي .. مالي غيركم ..
هرعت اليها واحتظنتها .. اختها التي طالما نصحتها .. كانت لها الام والصديقة .. والآن عيسى ينهي كل شيء .. جلدها هي قبل ان يجلد خولة بسياط كلماته .. بكت معها .. وكعادتها بدأت بطمأنتها .. وان عيسى طيب ولن ينفذ ما قاله .. لكن هذه المرة كان مختلفا .. كان مكسورا .. مجروحا ... هي كسرته بفعلها .. وجرحته بكلماتها .. فهل سيطيب الجرح من اقرب الناس ؟
,‘،
لم
يذق طعم النوم الهانيء منذ ايام .. كل شيء بات على المحك .. الاخبار من
قبل ابنه فيصل لا تطمأن ابداً .. سيضطرون لبيع عدد من شركاتهم الصغيرة لسد
فوهة الخسارة .. خسارة لا توازي الخسارة التي كانت ستكون لولا كشف المستور
.. ها هو يخرج من منزله في هذا الصباح .. بجسد منهك ومتعب .. وعيون ذابلة
مشتاقة للنوم .. جرت خلفه .. واحتظنته .. دافنة رأسها في ظهره .. عند باب
ذاك القصر الكبير من الداخل .. امسك ذراعيها بلطف : دادي .. لا تروح الشركة .. دادي خلك معنا وارتاح اليوم .
امسك بكفها ليشدها وتقف امامه .. ابعد الخصلات من على جبينها . واحتظن وجهها الصغير بكفيه : لازم اروح .. واايد اوراق لازم تتوقع .
جود : سيف بيبهن لك هني .. انت لا تروح .. دادي انت تعبان ..
احتظنها بقوة .. دفنها بين ذراعيه القويتين .. احساس غريب تملكها .. احساس بالخوف .. احساس بالفراق .. ارتجفت دون حراك .. ارتجفت مشاعرها .. ابعدها ونظرت اليه .. الى عينيه الحانيتين : ديري بالج ع عمرج ..
طبع قبلة حارة على جبينها .. وغادر .. لحقت به .. ووقفت على منصة الباب من الخارج .. تراه يغادر .. يبتعد عن ناظرها .. يؤشر لها من سيارته بيده .. ويختفي ..
الجو هناك متوتر .. دخل بهيبته الى مكتبه .. حيث تتكوم الكثير من الاوراق وسيف هناك مع بعض روؤساء الاقسام .. يراجعونها . قام واقفا ليستقبل عمه .. جلس وهو يسأل عن الاحوال والى اين وصلوا .. ليجيبه بان الخسارة تم تفاديها ولله الحمد .. وان فيصل استطاع ان يماطل في بعض العقود ويؤخر تنفيذ شروط فضها .. ارتاح .. ولكن جسده بعيد عن تلك الراحة التي ينشدها .. خرج الجميع من المكتب وهم يباركون له انتهاء هذه المحنة التي كانت كفيلة بان تقسم ظهره لولا الله ومن بعده فيصل الذي اكتشف كل شيء .. وحتى هذه الساعة لا يعلم كيف علم ابنه بهذا التلاعب وهو هناك بعيدا في امريكا .. لكن لا يهم كل هذا .. المهم انه كان نعم الابن له ..
فجأة من بين خيوط الراحة التي كانت تتسلل في جسده المتعب .. قام واقفا .. ووقف معه سيف .. كان صوت ابو بسام لا يبشر بخير .. ولا وجهه .. وضع الاوراق من يده على تلك الطاولة الصغيرة .. وقال بنبرة خوف : خير يا عمي .. شو مستوي ؟
اردف ابو فيصل بخوف لا يقل عن خوف سيف : شو مستوي؟ .. تكلم
مشروع المجمع السكني اللي حطينا فيه كل سيولتنا .. اكبر مشاريعنا فمصر يا ابو فيصل .. ..
لم يستطع تتمة كلامه وهو يرى وجه ابو فيصل .. صرخ به سيف : كمل .. شو صار فيه ..
انهار
.. كلمة قالها لينهار ابو فيصل معها .. انهار على كرسيه .. وجع في جانبه
الايسر .. والم يعتصر قلبه .. فانهار مع انهيار مشروعه الكبير .. الذي بدأ
العمل فيه منذ قرابة الثلاث اشهر .. انهيار حلم كان .. وانهيار رجل عُرف في
اوساط تلك الساحة التجارية .. انهيار سيولد انهيارات اخرى .. ولا احد يدرك
الى اي مدى ستصل ..
,‘،
يتبع........
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق